الحقيقة إن الذين يطرحون فكرة ثبات الأرض لم يطلعوا جيداً على مبادئ علم الفلك ومن أهمها قانون التجاذب الكوني، وهو القانون الذي نفسر به تماسك الكون وعدم انهياره وعدم حدوث تصادمات تؤدي إلى زوال الكون، وهذا ما أشار إليه القرآن في آية عظيمة: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر: 41]. فالله تعالى بقدرته يمسك هذا الكون وسخر من أجل ذلك قانوناً لا يختل أبداً وهو قانون التجاذب الكوني، فما هو هذا القانون العجيب؟
عندما ننظر إلى السماء نرى آلاف النجوم (وكل نجم يشبه الشمس في حجمه أو أكبر) ونرى هذه النجوم تدور حول الأرض، فهل يُعقل أن الأرض ثابتة وتجذب كل هذه النجوم وتجعلها تدور حولها؟! إن من يعتقد بذلك عليه أن يقدم تفسيراً علمياً، وأقول يا أحبتي إن أفضل من يفسر الآية الكونية هو عالم الفلك المسلم، ولا ننسى أن المفسرين القدماء كان لديهم شيء من علوم الفلك والطب والهندسة والرياضيات، وللأسف هذه العلوم لم تعد ضرورية لمفسري اليوم!!!
قانون التجاذب الكوني
سؤال يخطر بالذهن: كيف تمسك بنا الأرض فلا نطير في الهواء؟ وكيف نستقر على ظهرها، وماذا يحدث لو أن الأرض كانت أصغر مما هي عليه بقليل أو أكبر؟ هذا يا إخوتي ما كشفه العلماء في العصر الحديث وسمي بقانون التجاذب الكوني، وينص على أن كل جسم في الكون له كتلة فلابد أن يكون له جاذبية، وتتناسب قوة الجاذبية مع كتلة هذا الجسم. فكلما كان الجسم أثقل كانت جاذبيته أكبر.
فالأرض تجذب إليها الناس لأن وزن الإنسان أصغر بكثير من وزن الأرض، والأرض تجذب إليها القمر لأنها أكبر منه وأكثر وزناً، فنجده يدور حولها بنظام فائق الدقة، ولكن هل لدى الأرض القدرة على جذب الشمس والكواكب والنجوم والمجرات لتجعلها جميعاً تدور حولها؟!
هل أشار القرآن إلى حركة الأرض؟
يرى بعض العلماء من المسلمين (قديماً) أن جميع الآيات تتحدث بوضوح عن حركة الشمس والقمر ولا نجد آية تتحدث عن حركة للأرض، فهل هذا صحيح؟ المشكلة يا أحبتي أن البعض يحكم على القرآن وكأن الله أعطاه أسرار هذا الكتاب العظيم. فلو تدبرنا الآيات الكونية نرى إشارات كثيرة إلى حقيقة دوران الأرض، وأنها تسبح في فلك محدد مثلها مثل الشمس والقمر. يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33].
وسؤالنا: إذا كان للشمس مدار محدد تسبح فيه، وإذا كان للقمر مدار أيضاً يسبح فيه، فأين مدار الليل والنهار؟ وكيف يمكن لليل والنهار أن يسبحا في أفلاكهما مثل الشمس والقمر؟ إن الليل والنهار هما ظاهرتان تتعاقبان على الأرض، والنهار ملتصق بالأرض وكذلك الليل، وهنا نرى إشارة خفية إلى دوران الأرض وسباحتها، وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) فكلمة (كُلٌّ) تعود إلى الليل والنهار أيضاً.
وهذا يعني أن النهار يتحرك مع الأرض ويسبح معها في رحلتها، وكذلك الليل. وربما نجد في هذه الآية إشارة واضحة إلى دوران الأرض من خلال قوله تعالى: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، فطبقة النهار هي طبقة رقيقة تغلف أحد جانبي الأرض ويحيط بها الليل من كل جانب، وتدور هذه الطبقة من النهار مع الأرض بنظام عجيب فريد، ويتداخل الليل والنهار بنتيجة هذا الدوران، وهذا ما حدثنا عنه القرآن: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [لقمان: 29]. فعبارة (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) تشير إلى دوران الأرض، وعبارة (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) تشير إلى دوران الشمس والقمر، فالشمس تدور حول مركز المجرة، والقمر يدور حول الأرض، وهكذا.
إيضاحات
1- إن القرآن لا يشير إلى ثبات الأرض أبداً، والآيات التي تتحدث عن جريان الشمس والقمر لا تعني أن الأرض ثابتة.
2- إن حجم الأرض بالنسبة للكون ضئيل جداً أشبه بذرة غبار! ولذلك فهي مثل بقية الأجسام الكونية تسبح وتدور، ولا يوجد شيء ثابت في الكون، وهذه حقيقة يقينية لا ريب فيها.
3- لا يجوز أن نكفِّر من يعتقد أن الأرض ثابتة أو أن الأرض تدور، أو أن الشمس ثابتة أو تدور، لأن تفسير الآيات الكونية في القرآن هو اجتهاد قد يصيب أو يخطئ، أما العقيدة فهي شيء ثابت، ولكن ينبغي على الإنسان أن يجتهد ليصل إلى الحقيقة استجابة لقول الحق: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران: 191].
لقد بدأ العلماء يقيسون قطر الأرض ومحيطها ومساحتها وبعدها عن الشمس، كل هذا بفضل الأشعة الضوئية الصادرة من الشمس باتجاه الأرض وتغير طول الظل وزاويته. حتى إن بعض العلماء تمكن من قياس سرعة الضوء والبالغة ثلاث مئة ألف كيلومتراً في الثانية الواحدة، هذه السرعة الرهيبة تم قياسها اعتماداً على مسقط أشعة الشمس على الأرض وتغير طول الظل خلال السنة وعبر الفصول الأربعة.
نأتي الآن إلى أعظم كتاب على وجه الأرض – كتاب الله عز وجل، ماذا يخبرنا؟ يقول تعالى: (ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً) [الفرقان: 45].
إن كلمة (مدَّ) تعني تحرك بحركة غير مرئية بشكل مباشر إنما نرى آثارها وهذا بالضبط ما نراه في ظل الشيء على الأرض، وقدرة الله تعالى على تحريك هذا الظل تستطيع أن تجعله ساكناً، فالله تعالى حرَّك الظل ولو شاء لجعله ساكناً عديم الحركة، ولكن هل تستمر الحياة؟ ستكون الحالة هذه إما ليل دائم أو نهار دائم ولا تستقيم الحياة على الأرض في هذه الحالة. ثم أكد البيان الإلهي على أن مركز دوران الأرض هو الشمس بقوله: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً) ونحن نعلم بأن الدليل هو الشيء الذي تقاس الأشياء بالنسبة إليه إذن الشمس في مركز الدوران والأرض تدور من حولها.
وفي آية أخرى نجد دليلاً آخر على حركة الأرض ودورانها في قوله تعالى (وهو الذي مدَّ الأرض) [الرعد:3]. أي حرك الأرض! وفعل (مدَّ) في اللغة فيه الحركة والامتداد والاستمرار. وانظر إلى تفوق القرآن على العلم، فالعلم يسمي الشمس بمركز الدوران، بينما القرآن سمى الشمس بالدليل، أي النقطة التي يُقاس بالنسبة إليها لأن الشمس تتحرك وتدور أيضاً، وليست ثابتة: (وكل في فلك يسبحون)[يس: 40]
فعندما نقول إن الأرض تدور والشمس ثابتة، هذا كلام خاطئ، بل الشمس والأرض وجميع النجوم والكواكب كلها تسير وتتحرك وانظر معي إلى قول الله تعالى (وكل في فلك يسبحون).