قليلة هي المواقف التي أذكر أني بكيت فيها، بل لعل من يعرفني لم يرني أفعل هذا من قبل، وهذا بسبب برود وتحجر في قلبي، أو أنه رباطة جأش أحسد عليها، وكما يقولون: من الطبيعي أن ترى امرأة تبكي، لكن ليس من الطبيعي أن ترى رجلاً يبكي، وكم يقولون أيضاً: البكاء آخر الحلول لدى الرجال، أو يبكي الرجل عندما يقهر ولا يجد ما يفعله.
لكنني هنا قرأت قصة فتأثرت حتى بكيت لدقائق لا أعلمها، بكيت حتى أشفقت على نفسي، نعم لأول مرة أحس أني ضئيل أمام هؤلاء الأطفال الذي حملوا الحجر، أحسست أني لم أقدم شيئاً بينما هم قدموا أرواحهم، ما أغلها وأطهرها من أرواح.
مجلة الفرحة - العدد 50 نوفمبر 2000
الطفل محمد أبو عاصي (13 سنة)، رغم صغر سنه إلا أن الأحداث لا تمر عليه مرور الكرام، فهو دائم السؤال عما يجري حوله، كيف؟ ولماذا؟ وأكنه شاب يفوق سنين عمره
وفي صباح يوم السبت وبعد يوم الجمعة الأحمر، نسي فيه أنه يحتفل بعيد ميلاده خرج محمد غاضباً من البيت يريد أن يعبر عن شعوره الذي كاد أن يخنقه، لماذا يقتل المصلون؟ وذهب مع رفاق له إلى مستوطنة غوشة قطيف، وأخذ يرجم اليهود اليهود بالحجارة لا يبالي، وعندما علم أهل أسرته بأمره ضربه أخوه الكبير ونهاه، ولكنه لا يستطيع أن يخنق أمنيته التي بداخله وواصل قذف اليهود بالحجارة في اليوم التالي دون أن يبالي.
وحول ذلك تقول أمه: في مساء الإثنين وبينما نحن نستمع لنشرة إخبارية فكلما وردت صورة شهيد يبكي ويتمنى أن يكون بدلاً منه، وهو يقول لي: يا أمي ألا تحبين أن يموت إبنك شهيداً فيرفع رأسك ورأس جميع أبناء الشعب الفليسطيني، إني أريد أن أموت في سبيل الأقصى والقدس فإذا استشهدت فلا تزعلي علي.
وفي صباح يوم الثلاثاء خرج كعادته في الساعة السادسة صباحاً دون أن أراه وأنا أحسب أنه خرج ليلعب مع أبناء الجيران، ولكنه وفق ما أخبرنا به زملاءه أوقف سيارة أجرة متجهة إلى غزة رغم أنه ليس لديه أجرة السائق، وعندما طلب منه السائق الأجرة قال له: ليس معي إلا هذا الحجر، لإني أريد أن أذهب إلى نتساريم لأستشهد فسامحني في الأجرة.
وفعلاً أوصله السائق إلى معسكر النصيرات ومنه أكمل طريقه ماشياً على الأقدام إلى مفترق الشهداء ثم أكملت ودموع الفرح والحزن تسقط على وجنتيها وفي مفترق الشهداء نالته يد الغدر الصهيونية وسقط شهيداً محققاً أمنيته التي طالما حلم بتحقيقها هكذا انضم محمدإلى قافلة شهداء فلسطين مثلما انضم إليها محمد الدرة 12 عاماً من قبله ومن قبله غيره درر فلسطين.