امتد بصري الى ذلك الوعاء ، تراءى لي انه يحمل لونا ازرق باهت ..يتخلله
صدأ وغبار وكأنه وصل للتو من متاهات الزمن الماضي ، يتعلق بالوعاء حبل
من أعلاه . يمتد ذلك الحبل الى أن يصل الى فم أبي ، شفتاه غليظتان
تشققتان وذلك الحبل أراه دوما مرتبطا بفم أبي وكأنه خرج من معدته ،
ارتشف ابي رشفه عميقه وأخرج دخانا كثيفا من فمه أثارني ..فقد سمعت أن
هذا الشيء المسمى غدو حرام ..لأنه مضر بالصحة ، كنت منشغلا في حل الواجب
المدرسي وعيوني معلقه على ذلك الدخان المسترسل ..الخارج من معدة أبي
اثارني ذلك الدخان وجعل لساني ينطق كأنه منفصلا عني .. فقد انطلق لساني
قائلا : أبي .يقولون أن القدو حرام . تحولت عيني الى اسفل على دفتري ..
وكأني لست من سأل وكأنني لم أسمع ماقلته ..
كانت عيون أبي كبيرة ، احس انها باردة ، يحمل اسفل عينيه انتفاخا ، وكأن
عيونه قد اصبحت ثقيله ، فأنتفخ أسفلها من وطئة الثقل وكما عيون ابي
الباردة سمعت ضحكة باردة .. وكأنه يقول لاتعليق .. !
***
ابتسم الي فاغرا فمه ابتسامة تحمل كم من الطيبة وقليل من البلاهة وكما
يسر الى طفل صغير قال لي : كيف حالك ياولدي ... ابتسمت له ابتسامه
بلهاء حتى اجاريه ، ودخلت مهرولا الى ابي اخبره عن هذا الزائر ذو
الابتسامة البلهاء وذو الشعر الذي يمتد من رأسه ويتخلخل بين ثنايا فمه
حتى يصل الى اسفل ذقنه وكأن الجاذبيه الارضيه قد شدت شعر رأسه الى
الاسفل !
قال لي ابي بعيونه الباردة : من ياولدي .. اخبرته عن ذلك الذي لفت نظري
شعر كثير في ذقنه وثوبه قصير جدا تشبه الثياب التي تلبسها امي .
ازدادت عيون ابي انتفاخا وقال لي على عجل قل له اني غير موجود .
ذهبت في سرعة البرق لأخبره ثم مالبثت إلا واغلقت الباب خلفه . تقوقع ابي
بجثته الضخمة بين جوانب الكنب الوثير .. وردد كأنه يقولها لنفسه
ناس ماعندهم شغل .. منافقون ..كذابون ! .
كنت انظر الى ابي وعلامة استفهام كبيره ترتسم على وجهي تسائلت هل هم هؤلاء
رجال الدين ؟! . انا متأكد أن ابي ليس على صواب .. نعم انا لااوافقه على
ذلك ذهبت وتركت ابي وكأني اعارضه .
***
أعرف اني يجب أن افتخر بأبي وان اعتبره عظيما ولكن ... كل هذا صحيح
إلا شئ واحد قلب تلك المعادله رأسا على عقب .. تسألت لماذا ابي لايحب
الرجل ابو لحيه ؟ أغوص في افكاري واحرك رأسي لأستنشق بعض الهواء فأرى
ابي مازال يمارس هوايته ..الغدو هل هذا هو السبب ..اعني ذلك الشئ
بوخرطوم .
فأنا متأكد انه حرام ..وهذا بولحيه يقول انه حرام وأبي مصر عليه ...
ربما !
------------------
ان تضئ شمعة خير لك من أن تلعن الظلام