أم صالح تحفظ القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين
أم صالح عمرها 82 عاما بدأت في حفظ القرآن في السبعين من عمرها مشوارها مع الحفظ فيه كثير من المعاني الجميلة‘ كعلو الهمة و المصابرة و التضحية و الصبر ...
التقينا بالخالة (أم صالح) لنتعرف على الطريقة التي حفظت بها ﻔﺈلى ثنايا اللقاء :
-ما السبب الذي جعلك تقبلين على حفظ القرآن بعد هذا العمر؟
كانت أمنيتي أن أحفظ القرآن الكريم من صغري، و كان أبي يدعو لي داﺋما أن أكون من الحفظة مثله و مثل ﺇخواني الكبار،فحفظت بعض السور-تقارب ثلاثة أجزاء- و حينما أتممت الثالثة عشرة تزوجت و انشغلت بعدها بالبيت والأولاد. حينما أصبح لدي سبعة أولاد توفي زوجي، وكانوا كلهم صغارا فتفرغت لتربيتهم و تعليمهم، وحينما كبروا وتزوجوا تفرغت لنفسي، وأول ما سعيت له وبذلت من اجله النفيس حفظ كتاب الله عز و جل.
-و كيف كان مشوارك مع الحفظ؟
ابنتي الصغرى كانت تدرس بالثانوية، و هي من أقرب بناتي وأحبهن إلي؛ لأن أخواتها الكبيرات تزوجن و انشغلن بحياتهن، وأما هي فقد بقيت عندي وكانت هادئة مستقيمة محبة للخير، كما أنها تتمنى أن تحفظ القرآن-وخصوصا أن المعلمات يشجعنها على هذا- وكانت هي بدورها تبث في الحماس، وتضرب لي المثل بنسوة كثيرات دفعتهن همتهن العالية للحفظ، ومن هنا بدأت أنا وإياها كل يوم عشر آيات.
-وكيف كانت طريقتكما في الحفظ؟
حددنا كل يوم عشر آيات، فكنا كل يوم بعد العصر نجلس سويا فتقرأ هي و أردد وراءها ثلاث مرات، ثم تشرح لي معانيها، وبعدها تردد لي ثلاث مرات، و في صباح الغد تعيدها لي قبل أن تذهب إلى المدرسة، وباﻹضافة لهذا فقد قامت بتسجيل اﻵيات المقررة بصوت الشيخ الحصري، بحيث تتكرر ثلاث مرات، فكنت أسمعها أغلب الوقت، فإن حان وقت التسميع في اليوم التالي نتجاوز الآيات. وقد حددنا يوم الجمعة لمراجعة المقرر الأسبوعي، وكذا استمررنا في الحفظ أنا وإياها. حفظها الله و رعاها.
-و متى أتممت الحفظ؟
خلال أربع سنوات و نصف حفظت اثني عشر جزءا بالطريقة السابقة، ثم تزوجت ابنتي، ولما علم زوجها بشأننا استأجر بيتا قريبا من منزلي ليتيح لنا فرصة إكمال الحفظ، و كان جزاه الله خيرا يشجعنا و يجلس معنا أحيانا يسمّع لنا و يفسر ويعلّم ثم بعد ثلاثة أعوام انشغلت ابنتي بالأولاد و البيت، ولم يعد موعدنا ثابتا، و كأنها استشفّت لهفتي على الحفظ فبحثت لي عن مدرّسة طيبة لتكمل معي المشوار بإشراف ابنتي نفسها، فأتممت الحفظ بتوفيق من الله عز و جل و ما تزال ابنتي تبدل جهدها للحاق بي و لم يبق لها سوى القليل إن شاء الله.
-همتك العالية و تحقيقك لأمنيتك الغالية هل كان لها تأثير على من حولك من النساء؟
التأثير حقيقة كان واضحا وقويا، فبناتي و زوجات أبنائي تحمسن كثيرا، و كن دائما يضربن بي المثل، و قد كوّنّ حلقة مدتها ساعة في اجتماعهن الأسبوعي عندي فكن يحفظن بعض السور و يسمّعن، وأحيانا ينقطعن و لكن يرجعن، و عموما كانت النية جيدة. حفيداتي شجعتهن على التسجيل بدور التحفيظ وأقدم لهن دائما هدايا متنوعة. و أما جاراتي فكان بعضهن في البداية يحطمنني و يحبطن من عزيمتي و يذكرنني بأن الحفظ صعب لأن ذاكرتي ضعفت، و لكن لما رأين قوة عزيمتي و تصميمي أخذن يشجعنني، و منهن من تحمست فيما بعد و انخرطت في الحفظ، و حينما علمن أنني أنهيت الحفظ فرحن كثيرا حتى إنني رأيت دموع الفرح تسقط من أعينهن.
-ألا تشعرين الآن بصعوبة في مراجعة الحفظ؟
أستمع دائما ﻹذاعة القرآن الكريم، و أحاول أن أقرأ مع القارﺉ، كما أنني في الصلاة أقرأ دائماً سوراً طويلة، و أحياناً أطلب من إحدى البنات التسميع.
-هل هناك أحد منم أبنائك يحفظ مثلك؟
لا يوجد من يحفظ القرآن كاملاً، و لكنهم إن شاء الله ما داموا يسيرون على الدرب فسيصلون بحفظ الله و رعايته.
-بعد انتهائك من حفظ القرآن الكريم ألا تفكرين في حفظ الأحاديث؟
أحفظ الآن-تقريباً-تسعين حديثاً، و سأواصل المسير إن شاء الله، و أعتمد في الحفظ فيها على الأشرطة و إذاعة القرآن، و في نهاية كل أسبوع ابنتي تسمع لي ثلاثة أحاديث و أحاول الآن أن أحفظ أكثر.
غابت الهموم:
على مدى اﻹثني عشر عاماً التي انشغلت فيها بحفظ القرآن، هل تغيرت أشياء في حياتك؟
نعم لقد حدث تغير جدري وإن كنت و لله الحمد حريصة على طاعة ربي قبل أن أبدأ بالحفظ، إلا أنني بعد أن انشغلت فيه شعرت بارتياح نفسي كبير، و غابت عني الهموم، و لم أعد بتلك الدرجة من الحساسية المفرطة في الخوف على الأبناء و التفكير في أمورهم. و قد ارتفعت معنوياتي، وأصبحت لي غاية سامية أتعب من أجلها و أشقى لتحقيقها. و هذه النعمة عظيمة من الخالق عز و جل؛ فالمرأة إذا كبرت و لم يعد عندها زوج و تزوج الأبناء، يقتلها الفراغ و الهواجس و الأفكار، و لكني و لله الحمد لم أشعر بهذا، و قد انشغلت بأمر عظيم له فوائد في الدنيا و الآخرة.
-ألم تفكري في التسجيل في إحدى دور تحفيظ القرآن الكريم؟
اقترحت عليّ بعض النساء، و لكنني امرأة تعودت على الجلوس في البيت و لا أتحمل الخروج كل يوم، و الحمد لله فإنّ ابنتي كفتني العناء، و سعادتي لا مثيل لها و أنا أدرس معها.
-هل تدريس ابنتك لك جعل لها شأناً خاصاً في نفسك؟
لقد ضربت ابنتي مثلا رائعاً في البر و اﻹحسان اللذين قلما نجدهما هذه الأيام، خاصة أنها بدأت معي المشوار و هي في سن المراهقة، هذا العمر الحرج الذي يشتكي منه الكثيرون، فكانت تضغط على نفسها لتتفرغ لتدريسي، و كانت تعلمني بتأن و حكمة و صبر، كما أن زوجها حفظه الله كان عوناً لها و قد بذل الكثير أسأل الله سبحانه و تعالى أن يوفقهما و يقر أعينهما بصلاح أبنائهما.
-ماذا تقولين لامرأة في مثل عمرك تود أن تحفظ و لكن يسيطر عليها الخوف من عدم القدرة على ذلك؟
أقول: لا يأس مع العزيمة الصادقة. قوّي إرادتك و اعزمي و ادعي الله في كل وقت و ابدئي، لقد مضى العمر في أداء المسؤوليات المنزلية و التربوية و الزوجية و آن الأوان لأن تتفرغي لنفسك، و ليس هذا بكثرة الخروج من البيت و النوم و الرفاهية و الراحة، إنما بالعمل الصالح، نسأل الله تعالى حسن الختام.
-و ماذا تقولين لمن هي في سن الشباب؟
احفظي الله يحفظك،استغلي نعمة الله عليك بالصحة و العافية و سبل الراحة في حفظ متاب الله عز و جل. هذا النور الذي يضيء لك قلبك و حياتك و قبرك بعد مماتك، و إن كانت لك أم فاجتهدي في تعليمها. و الله ما رزقت الأم بنعمة أحب إليها من ولد صالح يعينها على التقرب إلى الله عز و
جل.