السلام عليكم
"السقوط" إحدى أضخم الأعمال السينمائية الألمانية ، تدور أحداث الفيلم في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية وتحديدًا في الإثني عشرة يومًا الأخيرة قبل سقوط برلين ، يتعامل الفيلم بصورة مباشرة مع الزعيم الألماني (أدولف هتلر) -الذي أدى دوره ببراعة مذهلة الممثل (برونو غانز)- وباقي أركان النظام النازي.
محور الفيلم سكرتيرة الفوهرر الشخصية (Traudl Junge ) التي شاهدت عن كثب الأيام الأخيرة للفوهرر وأركان نظامه ، وتشهد على حالة الإحتضار التي مرت بالزعيم الألماني والتي كانت مزيجًا من الهذيان والصراخ بالطريقة التصاعدية الشهيرة له أثناء فترة الحصار السوفييتي لبرلين ، وخلافاته الحادة مع معاونيه الناتجة عن طرحه حلولا إستراتيجية خيالية للخروج من المأزق الذي حل به ، فضلا عن سلسلة الخيانات التي قصمت ظهره ، قبل أن تتسلل إليه روح الإستسلام تدريجيًا أدت في النهاية إلى انتحاره.
أجواء الفيلم رمادية كئيبة كما هو الحال مع جميع أفلام الحرب ، تكاد تستشعر معها رائحة البارود والدمار والموت في كل مكان ، غالبية الأحداث تدور في الأقبية والسراديب السرية الواقعة أسفل برلين حيث يختبئ (هتلر) وأعوانه.
يركّز الفيلم على الجانب الإنساني للزعيم الألماني كشخص يقدّر جهود سكرتيرته اليافعة وجدّ يحب أسرته وأحفاده ، كما يركز على الجانب الشخصي له عارضًا ذلك المزيج المعقد من الشخصية المحطّمة التي لا تزال محافظة على كبريائها وعنجهيتها والتي آلت إلى انتحار صاحبها ، وكذلك يركز الفيلم على الأطوار النفسية لشخصية الزعيم الألماني ابتداءً من إرتجافة يده مرورًا بتركيزه على إلتهام الأطعمة النباتية بسرعة شديدة ، والشحوب التدريجي الذي تسلل إلى وجهه ، انتهاءً بحالة الهدوء والسلام النفسي الذي عاشه في ساعات حياته الأخيرة.
لا توجد بالفيلم جرعات كبيرة من المعارك الحربية ، لذلك فإن العمل درامي تاريخي إنساني بعيدًا عن الحركة والإثارة ، ودعوة إلى التأمل في أكثر الأيام حسْما من الحرب العالمية الثانية.
يعرض الفيلم بعض الإسقاطات المتعلقة بمحرقة اليهود وحديث (هتلر) عن قتله ستة ملايين يهودي ، كما يعرض بعضًا من الحوارات الهامة بين (هتلر) ومعاونيه ، وذلك الصراع الدامي بين الشرف والمقاومة حتى آخر رمق وبين ضرورة الإستسلام.
أما عن أداء الممثلين فلا أجد –وفق رأيي الشخصي- من أبدع أداءً سوى من قام بدور (هتلر) وسكرتيرته ، في حين أن باقي الشخصيات ساعدت على إبداع هذين.
الفيلم يصنّف ضمن أفلام الصفوة الدرامية وهو حاصل حتى لحظة كتابة هذا المقال على 8.6 في موقع IMDB ، نظرًا لعمقه الدرامي والبناء التركيبي لشخصياته فضلا عن جدلية المرحلة التي قام بعرضها ، وهو يمنح المشاهد بُعدًا جديدًا للتذوق السينمائي من ناحية وللتحليل التاريخي من ناحية أخرى.
وأخيرًا فإن هذا العمل يمنح فرصة نادرة للتغيير وللمشاهدة بعيدًا عن أجواء السينما الأمريكية التي باتت رتيبة ومملة في مثل تلك المواضيع.
ودمتم سالمين :nice:
المصدر مجلة بسمات
http://www.bsmat.com/nuke