كتب أحد الأفاضل - الأستاذ سعيد بن حسين الزهراني على حائطه في الفيس بوك - متسائلا : سؤال أحبتي وفقكم الله : خطبة الجمعة .. هل تحل اليوم أزمة ؟ هل توقظ من النوم أمة ؟
استفزني هذا السؤال جدا لأنه لامس هما يسكن جوانحنا جميعا وألما كبيرا يؤرقنا فهذا اللقاء الإسلامي الأسبوعي وهذا المجتمع الكبير كل أسبوع لم يستثمر بالشكل المطلوب ولم نشهد له أثرا في واقع الأمة وكل ذلك يرجع إلى قصور الخطباء وتقصيرهم في واجبهم المناط بهم رغم اجتهاد البعض وفقهم الله
إن لخطبة الجمعة مميزات ليست لغيرها من الخطب فهي من واجبات الدين وحضورها واجب على الرجال ولها آداب تسبقها كالغسل والتطيب والتبكير وآداب أثناء الاستماع إليها كوجوب الإنصات وعدم اللهو وكل هذا وغيره مما ورد في الشرع يعطيها مهابة في نفوس الحاضرين لها يهيؤهم نفسيا للاستماع والانتفاع فماذا يريد الخطيب أكثر من هذا في المستمعين له ليوصل رسالته لهم ؟!
هناك الكثير من السلبيات التي نلمسها في كثير من الخطباء اليوم مما يقلل فرصة انتفاع الناس من الخطبة وانعكاس ذلك في انعدام أي أثر إيجابي لها في حياتهم فمن ذلك :
1 - ضعف تأهيل الخطيب وبالتالي ضعف خطبته وعدم التزامها بالمعايير الدنيا للخطبة الجيدة أو حتى المقبولة
2 - تطويل الخطبة بشكل يدعو للملل مخالفين بذلك التوجيه النبوي بتقصير الخطبة وتطويل الصلاة كما أن علماء النفس يقولون إن معدل انتباه الإنسان بدون أن يشرد ذهنه هو 13 دقيقة تقريبا .. كنت أصلي قبل سنوات في جامع وكنا ننتهي من الصلاة ونتسنن ثم نذهب لسوبرماركت لا يبعد كثيرا عن المسجد ونفاجأ بأن الجامع القريب منه مازال خطيبه يخطب بالمصلين ! بل إن أحد زملاء العمل وهو إمام وخطيب أحد الجوامع بمكة يقول : أنهيت الصلاة وتسننت ثم ذهبت لمركز تجاري في حي آخر بعيد نسبيا ووجدت خطيب أحد الجوامع ما زال يخطب !! ولم نذهب بعيدا ألم نكن نشتري محاضرات دينية من مكتبات التسجيلات ونكتشف أن هذه المحاضرة التي استمعنا لها أكثر من ساعة لم تكن إلا تسجيلا لخطبة جمعة !
3 - رتابة المواضيع وتكرارها ولا أقصد نوعيتها بل طريقة عرضها
4 - استغلال منبر الجمعة لتصفية الحسابات مع المخالفين من مختلف التيارات بل والتصريح بأسمائهم في أحيان كثيرة وشحن الناس عاطفيا ضدهم كما كان يحدث في أوقات مضت من الهجوم على بعض الدعاة وعلى المراكز الصيفية وعلى بعض المثقفين بشكل مبالغ فيه يفتقد للمصداقية والإنصاف
5 - تحويل الخطبة لمنبر سياسي لترويج أفكار معينة ولا عيب في التطرق للأحداث ومناقشتها من وجهة نظر شرعية تنفع الناس لكن أن نصبح في وضع لا ندري فيه أنحن أمام منبر جمعة أم أمام شاشة قناة إخبارية ؟! فهذا هو المرفوض
حضرت خطبة جمعة صادفت مناسبة وطنية فلم يوفق الخطيب في خطبته فلم يناقش الموضوع من الناحية الشرعية كبيان وجوب حب الوطن والدفاع عنه وأن ذلك لا يتعارض مع الشرع وعن حقوق ولي الأمر ووجوب طاعته وغير ذلك مما يتوقع أن تحتويه الخطبة لكنه حولها لمديح سامج وتزلف مقيت جعلت أحد الظرفاء يقول لي : لم يبق إلا أن يقف الخطيب ويدعونا جميعا لإنشاد النشيد الوطني !
6 - على عكس ما سبق فالبعض اتخذ الخطبة منبرا للتهجم على الدولة وتهييج الناس ضدها والانتقاد العلني لقراراتها مما كانت له انعكاسات خطيرة لكن قلت هذه الخطب أو انعدمت مؤخرا
7 - عدم مراعاة أحوال المصلين وطبيعة أوضاعهم الحياتية والاجتماعية والثقافية مما يجعل الخطبة في واد والمصلين في واد آخر فليس من جمهور المستمعين له من بسطاء الناس في حي شعبي كمن يستمع له ناس من المتعلمين في حي راق فلكل لغته واحتياجاته وطرائق للتأثير عليه وهذا ما لا يعيه كثير من الخطباء للأسف الشديد
ما سبق غيض من فيض ولست هنا لأحصي كل السلبيات بل للإشارة إلى بعضها مما يفي بالغرض وليسمح لي إخوتي ومشائخي الخطباء أن أنقل لهم هنا ردا كتبه أحد الإخوة يغني عن ألف مقال ولا أظنهم إلا متأثرين به مستفيدين منه يقول الرجل : قابلت أجنبياً نصرانيا ً زائراً للسعوديه
يقول لو كان عندنا ( اي في الغرب ) اجتماع كالجمعة لصنعنا المعجزات , لايستطيع اي نظام عالمي فعل ذلك ( اي الإجتماع الناس ) .
اصبحت صامتاً مطرقاً وكان جوابي الصمت . انتهى
أحبتي خطباء المساجد إن واجبكم كبير وأنتم قادة الإصلاح الديني والاجتماعي في الأمة وإن التغيير يبدأ منكم وكلما كنتم مؤثرين في محيطكم متفاعلين معه مجيدين في إعداد خطبكم وفي إلقائها ظهر أثر ذلك في الناس فقلت السلبيات واندثرت المنكرات وكثرت الإيجابيات وانتشر الخير بين الناس وتعدلت أوضاعهم وساهموا في نهضة بلادهم وأمتهم
ولعلني هنا أضرب مثالا بسيطا لأحد هؤلاء الخطباء الذين رأيتهم قبل 15 عاما وما زالت لخطبه أثرها الإيجابي في نفسي حتى الآن فهو في رأيي نموذج للخطيب الذي نريد
كان هذا الخطيب متفاعلا مع شؤون الحي ومستجدات الأحداث ويعرضها بطريقة شرعية مبسطة ومختصرة بل ويكون موجها للأهالي للقيام بما يجب عليهم القيام به من ذلك أنه زار دار أيتام قريبة من الحي فخطب خطبة تكلم فيها عنهم وعن ظروفهم وعن ثواب من يكفلهم ثم أعلن أنه اتفق مع إدارة الدار على إقامة حفل لإدخال الفرح والسرور عليهم وحدد الموعد وطريقة المشاركة وبالفعل تم الحفل بحضور طيب من الأهالي
كان الحي وهو غير مأهول وقتها يشهد سرقات كثيرة في الصيف نظرا لسفر الكثير من الأهالي فتحدث عن المشكلة وأسبابها وطرق علاجها وكيف يحمي الإنسان بيته من السرقة وعن دور الجيران في التقليل منها موضحا طرق وأساليب اللصوص وكيفية مواجهتها وهو في كل ذلك يذكر بالله ويسرد النصوص الشرعية المناسبة للموضوع كما لم ينس توجيه هؤلاء اللصوص ونصحهم وتخويفهم بالله فلعل منهم من كان حاضرا في المسجد
تكلم عن المياه الراكدة والناموس والأشجار التي كانت بالحي في ذلك الوقت وأزعجتنا كثيرا واستطاع بتعاون الأهالي معه القضاء عليها - كان هناك توجيه من الأمير ماجد رحمه الله بخصوصها - وقضايا كثيرة جدا وفي رأيي هذا هو الدور الحقيقي للإمام والخطيب ويكفي أنه لم يمر علي خطيب يتكلم الناس عن خطبه في مجالسهم كما يتحدثون عن خطب هذا الرجل
طبعا هناك خطب وعظية بحتة وهناك خطب عن القصص والعقيدة وغير ذلك لكن عندما تكون هناك مناسبة أو حدث ما فهو يستثمره بشكل جيد ولو كان جميع الخطباء مثله لتغيرت أحوالنا إلى الأفضل
لست هنا بمقام الناقد أو الموجه فمقام إخواني وشيوخي خطباء المساجد أكبر من ذلك في نفسي ومنهم أستفيد وأعلم أن فيهم خير كثير وفيهم الكثير من المجيدين والمتميزين والمؤثرين لكنه خطاب عام ودعوة لنقف مع أنفسنا ليعود لهذا المنبر دوره وفعاليته وأثره فلن تكون انطلاقة الأمة إلا من خلاله عندما يحل أزماتنا ويوقظنا من سباتنا
ما سبل العلاج في نظركم ؟