وقفات هادئة مع بيان الزرقاوي
تقارير رئيسية :عام :الاثنين 19 شوال 1426هـ – 21 نوفمبر 2005م
إدارة التحرير
مفكرة الإسلام : عدة وقفات هامه استوقفتنا في البيان الأخير المنسوب لقائد تنظيم القاعدة في العراق, نحاول مناقشتها بشكل موجز وهادئ بعيدا عن الصخب والاتهام والسباب والقذف وغيره مما أفعمت به مقالات كثير من الإسلاميين عندما يقل علمهم ويكثر حماسهم.
وبين يدي تلك الوقفات نحب أن نؤكد على عدة ثوابت هامة وأساسية نقدمها للقارئ الكريم :
1 – أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة, وأن الخيل معقود في نواصيها الخير, وأن الأمة مطالبة بمقاومة عدوها الذي احتل أرضها وامتهن مقدساتها وآذى أبناءها, وأن كل مسلم عليه مسئولية المشاركة في دحر محتله ومقاومة من حارب دينه, غير أن هناك ضوابط وقواعد وأسسا لازمة في ذلك يجب تحريها بدقة وبما يخدم مصلحة الأمة الإسلامية بالعموم.
2- أن مرجعية المجتمع المسلم والجماعة المسلمة في أي مكان هي علماؤها الربانيون العاملون, فمن فتواهم تنطلق حركتها, ومن بيانهم تتبين منهجها, ومن سبيلهم تستبين الخطى , ولاشك أن هناك اعتباراً مهماً لعلماء كل بلد على حده, فهم أدرى الناس بأحوال بلادهم, وبما يحدث لهم, وبواقعهم المحيط بهم .
3- يعود إلى العلماء تحديد صحة الوسائل المستخدمة أو فسادها وكذلك تقييم ضررها ونفعها وما يترتب عليها من مصلحة للأمة أو مفسدة [ والعلماء في ذلك يحكمون على تلك الوسائل بطرق شرعية معتمدة وبعد استشارة ذوي الخبرة والفهم الواقعي وأهل الرأي والفهم في الشئون المختلفة ومن ثم يبنون حكمهم وفتاواهم ].
ومن ثم كانت قاعدة اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام الشرعية وغيرها من المسائل العملية في الشريعة قاعدة هامة للغاية في الحركة واتخاذ الوسائل ومواقف الدفاع والمبادرة بشكل عام .
4- أن الأمة في مثل تلك الأحوال التي تمر بها في أمس الحاجة إلى جمع الصف ووحدة الكلمة واجتماع الموقف والاعتصام بحبل الله جميعا , ومن ثم كان دعاة الفرقة في مثل تلك الأيام والأحوال الصعبة التي تمر بها يستحقون الزجر البالغ والنهي الشديد, إذ الفرقة معناها الانهزام كما أن الوحدة هي مبدأ الانتصار .
وقفات مع البيان :
1- ردد البيان ألفاظ الردة والتكفير – كعادة البيانات السابقة وهى ألفاظ يستغربها رجل الشارع المسلم الذي يردد ' لا إله إلا الله ' صباح مساء .. حتى إن البيان قد أغرق في ذلك إغراقا حتى وسم الدولة جميعا بـ' الدولة الكافرة ' وذلك بعد وصفه لحكومتها ' بالمرتدة ', ' وكذلك وصف السلطة الفلسطينية بالمرتدة ' وكان بيان آخر سابق قد وسم مصر ' بالكافرة ' أيضا ... وهذه الأوصاف عندما تتكرر دائما في كل خطاب فإنها تعمق الشعور عند المتلقي بسهولة وصف المجتمعات والدول بها وقد علم من الشريعة الغراء النهى البالغ عن إطلاق ألفاظ الكفر على الأفراد والمجتمعات المسلمة إلا بفتوى العلماء الأثبات المرضيين أو القضاة الشرعيين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجاه في الصحيحين ' ما من عبد رمى أخاه بالكفر إلا حار عليه ' – يعنى عاد عليه ذلك الوصف إن لم يكن فيه ، وهذه خطابات سلف الأمة بين أيدينا فلم تكن خطاباتهم تعتمد على مثل هذا النوع من العرض .. نعم كانوا يبينون حكم الله في الإسلام والكفر والردة ولكن بطريقة لاتحفز السامع أو القارئ على الاستمتاع والتهاون بها ، ومثل بيانات الزرقاوي ومن هم ينتظمون على طريقته تستطيع أن ترى أثرها على الواقع الإعلامي المتمثل بشبكة الانترنت حيث التكفير بمفهومه الواسع الخطير من غير شعور بالخوف أو الهلع من إخراج مسلم من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر. [ وقد اتفق أهل السنة على منع ذلك إلا بإقامة الحجة الرسالية البينة التي يكفر تاركها ]
2- استنكر البيان أن تستخدم وسائل الإعلام الوسائل التي تثير العواطف في التعليق على الحادث, فهل كان أصحاب البيان ينتظرون أن تمدح وسائل الإعلام المعروفة هذا الحادث المروع بعد موت الأطفال والنساء والشيوخ ؟ - سواء كانت هذه الوسائل عميلة وموجهة - كما وصفها البيان- أو كانت موالية وحرة - ، ونحن نقول له : إن الناس قد فجعوا بتلك الجريمة ولم يكونوا بحاجة لضخ إعلامي لكي يظهروا بكاءهم أو انزعاجهم من تلك كما هو العراق فرغم التغييب والتزوير في الحقائق إلا أن الجميع يشعرون بحجم معاناة ذلك الشعب الأبي ، فهل نريد أن نجعل حزن الناس وامتعاضهم بسبب ذلك الإعلام كما يفعل الشيعة عندما يمنعون قناة مثل الجزيرة أو يحاربون موقعا مثل مفكرة الإسلام بزعم أنها تثير الناس وكأن الناس قد أضاعوا خارطة أحزان وآلام العراق .
3- وصف البيان القائمين بالعملية التفجيرية بأنهم ثلاثة من أسود الرافدين وأنهم انطلقوا من عرينهم في بغداد إلى عمان ..ثم سمى الحادث ' بالخطوة المباركة ' .. فهل راعى البيان مشاعر المسلمين الذين مات ذووهم بلا ذنب ولا جريرة عندما وصفها بالمباركة ؟ وهل البيان الذي ينبغي أن يكون مقصوده الاعتذار لأهالي القتلى من المسلمين الأبرياء ينبغي أن يصف مجزرتهم بهذا الوصف ؟ ...
4- ذكر البيان أن صحيفة لوس انجلوس تايمز ذكرت – كرد فعل على الحادث – أن جهاز المخابرات الأردنية أصبح الحليف الأقوى للسي آي إيه على مستوى المنطقة , ونحن نقول للزرقاوي توقف قليلاً وأشغل ذهنك : هل أنتج الحادث أثرا إيجابيا وأخاف العسكريين والمخابراتيين الغربيين ؟ أم أنهم ازدادوا بعده تدخلا في شئون البلاد وتقييدا لحرية أبنائه وتضييقاً على الدعاة والمصلحين ؟! وقد علم من أصول الفقه وقواعده الكلية أن الضرر لا يزال بضرر أكبر منه, وأن المفسدة لا تزال بأعظم منها ..وبأنه لابد أن تترجح المصالح على المفاسد ..فأين تلك المصالح المتحققة؟ مقارنة بشلال الدم وإفساد المال وإزهاق أرواح ونفوس صالحة ؟ .
5- كما جاء في البيان أيضاً : ولكن علم الله أننا ما اقدمنا على اختيار هذه الفنادق إلا بعد ان ترجح لدينا من خلال التحري والاستطلاع المتأني بهذه الفنادق لمدة تزيد عن الشهرين ومن خلال المعلومات التى زودتنا بها مصادرنا الموثوقة من داخل هذه الفنادق وخارجها تفيد بأن هذه الفنادق باتت مقرات لأجهزة المخابرات اليهودية و
الأمريكية والعراقية ، ونحن نتساءل ألم تخبركم مصادركم الموثوقة أنه يوجد مسلمون في أحد هذه الفنادق ؟ ألم تخبركم مصادركم الموثوقة أن من ستستهدفونهم بتلك العملية قد يمكن مواجهتهم في ناحية أخرى من الفندق ؟ ألم تخبركم مصادركم الموثوقة أن هؤلاء لهم اجتماعات أخرى في غير هذا اليوم وبالتالي تحفظون دماء المسلمين هذا على اعتبار صحة كلام الزرقاوي في أنها باتت مقرات لأجهزة المخابرات اليهودية والأمريكية والعراقية ؟ أم أنها الدماء الرخيصة للمسلمين في كل مكان؟
فهل خابت المعلومات الموثوقة فجأة ؟ وبهذا الحجم الكبير؟ أم أن المعلومات الموثوقة التى تحدث عنها البيان لم تراع أن تذكر لهم أن يومها يوجد عرس لمسلمين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟...وهل القائمون بالتفجير هؤلاء لم يعلموا أنهم حين يفجروا ذلك سيقتلون إخوانهم في العقيدة؟ أفلم يفكروا في تأخير فعلتهم حتى ينصرف العرس؟ أو ينأون بأنفسهم عن قتل وجرح مئات المسلمين؟ ..أفلم يكن منظر العرس المكتظ بالناس كافيا لتأخير مهمتهم أو تأجيلها أو حتى إلغائها؟ ..
6- ثم يحق لنا أن نتساءل أيضاً : ماهي دقة معلومات هذه المصادر الموثوقة ؟ ودعنا نتناول دقتها بشيء من الغرابة من خلال أسئلة توجه لقارئنا الكريم لكي يجول بجزء بسيط من عقله ليفقه معنى المصادر الموثوقة لدى الزرقاوي : هل تعتقد أخي الكريم أن الاستخبارات الأمريكية والصهيونية والعراقية بكل ماتحمله من معنى ستجعل مقراتها في فندق يسكن فيه الجميع ويدخل فيه الجميع ويخرجون ؟!!!!
ثم يتحدث البيان عن فندق الراديسون باعتبار أغلب موظفي السفارة الإسرائيلية يسكنون فيه ونحن نسأل الزرقاوي كم عدد موظفي السفارة الإسرائيلية وكم عدد من يسكنون منهم في هذا الفندق باعتبار أن لديك مصادر موثوقة ؟ ثم أي سفارة غبية تعرف أن الشعب يكرهها والزرقاوي يطالب برقبتها ومع ذلك [ معظم ] موظفيها يسكنون في هذا الفندق ؟ فهل نتحدث بما تقبله عقولنا ؟!! أما ماذكره البيان عن فندق عمان فهو من الحجى والغرائب ، ففي البيان نجد أن ملك الأردن يسكن في جناح خاص يقضي فيه [ الليالي ذوات العدد ] - على حد وصف البيان - وهنا تساؤل آخر قد يبدو مستغربا : هل ملك الأردن الذي نشر سطوته على البلاد من غربها إلى شرقها ومن جنوبها إلى شمالها ويملك القصور الباهرة لم يجد مكانا يقضي فيه رغبته إلا في فندق أمام الملأ ؟!!! مجرد تساؤل يوضح دقة المصادر الموثوقة !
7- وجه البيان خطابه قائلا : ' وهذه رسالة إلى أهل الإسلام في الأردن [ إنا نحب أن نطمئنكم بأننا من أحرص الناس على دمائكم كيف لا وأنتم أحب إلينا من أنفسنا وأبنائنا ' ..والبيان يوجه هذا الكلام لشعب قتل الحادث منه ستين من أبنائه وجرح العشرات .. منهم من فقد ذراعه ومنهم من فقد عينه ومنهم من فقد ساقه .. ثم هو يقول لهم إنه أحرص الناس على دمائهم .. فكيف يتلقى الشعب الجريح هذا البيان؟ وبأي شعور يستشعره؟ وبأي مفهوم يفهمه ؟..وما وقع كلمة ' نطمئنكم ' على إخوانكم المسلمين وقد رأوا بأعينهم في كل عملية تقومون بها وتسمونها مباركة وقوع العشرات من الضحايا الأبرياء ؟ ثم كيف يمكن لهذا الشعب أن يتقبل منك وأنتم إلى هذه الساعة لم تصدروا أي بيان اعتذار للمكلومين من أهالي الضحايا ولم تكلفوا حتى أنفسكم بوعد دفع الدية للضحايا كما في شرع الله عز وجل .
8- قال البيان مخاطبا الشعب الأردني :' وإننا لنعلم بأنكم ضحية هذا النظام الإجرامي ..' ... فهل خففت الانفجارات الثلاثة عن كاهل هذا الشعب ما سماه البيان من إجرام يتعرضون له؟ وهل أوقفت مثل هذه العمليات طغيان الطغاة كما تصفهم ؟ وإجرام المجرمين؟ بل هل خففت من وطأة القيد عن الإسلاميين والدعاة إلى الله ؟ أم أنها زادتها أضعافا مضاعفة ؟.. فيعتقل الكثيرون بلا ذنب أحدثوه وتفقد الأسر أبناءها وتخيم الأحزان والمخاوف على البيوت ...
9- قال البيان ' معاذ الله أن نجترئ على إراقة الدماء ' فماذا نسمي نحن إذن : أن يقتل ويجرح في تلك العمليات العشرات والمئات من أبناء المسلمين ويتكرر ذلك, في حين لا يستهدف من غيرهم إلا النذر اليسير ..أفلا يكون ذلك اجتراء على إراقة الدماء؟ وقد علمنا الإسلام أن حرمة دم المسلم أشد من حرمة البيت الحرام؟! وقد ذكر الزرقاوي جملة تخالف جملته السابقة عندما قال : وإلا فقد حصلت عمليات مباركة مماثلة لهذه العملية فى شرم الشيخ ومومباسا وفى تركيا وفى الرياض وغيرها وحتى في تل أبيب ، ونحن نسألك أخي الكريم كم قتل من المسلمين في عمليات الأزهر والرياض السعودية والدار البيضاء المغربية فهل يصح أن نقول إنها مباركة ولو كان ضحاياها مسلمين ؟ .
::::::::::::::::::::: يتبع