ماعرض في رمضان من دراما
عن ماذا نبحث عن الكم أم الكيف؟
![]()
في البداية اقول لكم كل عام وانتم بخير بمناسبة العيد السعيد والعيد الحادي والثلاثون لذكرى اتحاد امارات الخير ...
كلنا تتبعنا وبعناية صحبة الرفيقة الرمضانية العزيزة التي لاتكف عن إغراءنا بالجلوس أمامها بماتقدمه لنا من وجبات متنوعة تزداد كثافة وغزارة في العرض الرمضاني الخاص .. نخص حديثنا حول مستوى الدراما والمسلاسلات التي عرضت ومازالت تعرض على القنوات الفضائية في رمضان هذا الموسم ، خصوصاً بعد تركيز المنتجين على أن يكون منتجهم معروضاً في هذا الشهر الكريم بالذات ربما لأسباب تجارية بحتة ، حتى أن المنافسة صارت شديدة بصورة منقطعة النظير في هذه السنة بالذات..
في الحقيقة كثرة هذه المسلسلات حسب وجهة نظري الشخصية (قد) تضر بقيمة العمل بتشتت تفكير المشاهد قبل أن يصل للهدف الذي يعمد الكاتب لإيصاله إليه من خلال قصته وذلك بسبب مزاحمة مسلسله في الشاشة من قبل أكثر من 10 أعمال غيره لها نفس الوزن تقريباً وقد تكون أكثر من حيث أهمية الابطال الذين يجسدون شخصياته ... بالتالي فقد صار الحكم على قيمة المسلسل الفنية إلى حد ما صعبة ، ولكن بمقارنته مع نظرائه أستطيع أن أعطي انطباعاً عن وجهة نظر رسمتها في مخيلتي ومستوحاة من ردود أفعال المشاهد حول بعض هذه الاعمال... دعمتها بوجهة نظر شخصية مركزة في بعض النقاط .
لنبدأ بـ (العطار و السبع بنات)
فعلى سبيل المثال مسلسل العطار وبناته السبع والذي كنا ننتظر منه الكثير ، لم يقدم لنا فيه الفنان "نور الشريف" هذه المرة الجديد حسب رأيي- ، ولو تلاحظون أن الفنان نور الشريف انحصر بصورة ملحوظة في آخر 3 مواسم في بوتقة ذلك الرجل العصامي و الشاب العامل الذي يكوّن نفسه بكده وجهده من الصفر وأحياناً مما ورثه عن والده أو من يشتغل عنده ، أي ذلك الذي ربى ثروته من عرقه وبالحلال ويصرفها في مايرضي الله... ومع أن هذه أمثلة حسنة نحرص على أن تعرضها شاشتنا للعبرة لكن بالنهاية نقول أن شخصيات نور الشريف هي تقريباً نفسها تكررت بشكل أو بآخر منذ مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" الذي عرض قبل أكثر من سنتين في رمضان وأظهر شخصية عبدالغفور البرعي إلى شخصية الحاج متولي ثم هذا الموسم الحاج عبدالرحمن العطار... كذلك قيمة الأعمال الفنية التي يقدم عليها الفنان القدير نور الشريف لاتشهد ثباتاً في مستواها لأنها توضع رهن المقارنة في ذاكرة المشاهد مع الشخصية التي تسبقها ... فبعد روعة مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" لم يكن "الحاج متولى" بنسوانه الثلاث أو الاربع بنفس قوة الحاج عبدالغفور البرعي رغم أن هذا متولي (كسر الدنيا) -كمايقولون- في رمضان الماضي ، أما هذا الموسم فقد ظهر الحاج عبدالرحمن "العطار" محتشماً بين نظرائه في مسلاسلات قوية أخرى مثل "أين قلبي" أو "آخر الفرسان" أو الشيخ الشعرواي "إمام الدعاة" وغيرها رغم اختلاف أسلوب كل مسلسل وطريقة طرح مادته.. كذلك اختيار الشخصيات فيه لم يكن موفقاً -إن صح التعبير- فبعض الشخصيات لم يكن ممثلها منسجماً مع الدور الموكل إليه فظهر التكلف الكبير ليغطي به عيوب شخصيته، مثل الاخ الجاحد "لعبدو" ... ومع هذا فباعتقادي ماميز هذا المسلسل هو شخصية والدة عبدالرحمن التي أضفت جمالاً ورونقاً كبيراً على أحداث المسلسل ونعتقد أن "ماجدة زكي" هذه الممثلة البارعة وجدت نفسها في أدوار مسلسلات "الشريف" وحتى بعد وفاة "هنية المتهنية" فيه أكملت دور الفكاهة الكوميدي ذي الظل الخفيف في المسلسل الفنانة المتجددة دائماً "هالة فاخر" وبحرفنة كبيرة.
ربما خطأ الفنان نور الشريف هذه المرة أنه ظهر علينا بهذا المسلسل الاجتماعي فوراً بعد عائلة الحاج متولى وأنا أرى أنه كان من الافضل له أن يبدأ بالمسلسل التاريخي الذي كان ينوي أن يجسده حول شخصية "عمر بن العاص" حسب علمنا قبل تنفيذ العطار... لو فعل ذلك ربما كانت هناك فترة زمنية كافية تغني الناس عن المقارنة بين آخر عملين له.
(أميرة في عابدين)
أيضاً مسلسل "أميرة من عابدين" لقصة الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة ، للأسف الشديد فوجئنا بمستواه (المهزوز) وإن كانت كلمة مهزوز مبالغ فيها بعض الشيء أو حتى قاسية ، لكن على الاقل لنقل بأنه لم يأت بما كان مرجواً منه ، وخاصة أن شخصياته جسدتها نخبة من خيرة الممثلين الموجودين حالياً على الساحة المصرية مثل "سميرة أحمد" و"يوسف شعبان" و "سميحة أيوب" وبدرجة أقل "حنان التركي" .
فعلى سبيل المثال انتظرنا أكثر من 29 يوماً لنعرف بماذا سيطل علينا الفنان "يوسف شعبان" من جديد في دور "عبدالمنصف"، فدوره الصغير الكبير لم يكن كبيراً في قلوب محبيه وبحسب ظني كان بإمكان أي شخص آخر أن يجسد هذا الدور (العادي) بدون أي عناء فيوسف شعبان أقوى بكثير من مثل هذه الادوار الصغيرة.... المسلسل حاول فيه الكاتب أسامة عكاشة أن يُظهر لنا وبقوة - كعادته - طيبة الشعب المصري في حواريه القديمة الشعبية ذلك المجتمع المتماسك المثالي المتناهي المثالية في كل شيء برأيه سواء ابن الحتة (الجدع) المثقف أو (البنت) التي تشتغل لتعيش من وراءها عائلة كاملة أو الاسطى القانع والمقنع في أحاديثه... لكن لايخلو هذا المجتمع من الاخطاء القاتلة مثل خطأ "عبلة" إبنة حسن حسني "عم الاسطوات" ... وهذه المثالية المبالغ فيها من قبل عكاشة والتي تعودنا على مشاهدتها في كل مسلسلاته السابقة لاأعتقد تماماً بأنها تجسد الواقع الموجود في الشارع المصري الفقير في الحواري والازقة بكل هذا الكمال.. كما أنه يحرص دائماً على تبيان المجتمع الراقي على أنه مجتمع الفساد بينما نحن نعلم بأنه لايخلو منهم فاعل الخير والحاث عليه.
المقصود من كلامي أن التكرار والسرد الممل للمشاهد لم يكن مقنعاً للمُشاهد هذه المرة... – وهذا حسب رأيي المتواضع– فالكاتب كبير وشهادتي فيه مجروحة ... لكن دعوني أعطيكم مثلاً لمن تتبع المسلسل بكامل حلقاته ،إنه ذلك المشهد الذي بين فيه الطفلة "شهد" وهي تكاد تسقط من على شرفة بيت جدتها ، والمسرحية التي رسمت حول هذا المشهد فهو برأيي تضخيم مفتعل للقطة قد تكون كبيرة ولكنها باعتقادي ليست من صميم القصة فوجئنا بها تقطع أحداث المسلسل دون فائدة منها وحشرت في المسلسل فقط ليثبت لنا مرة أخرى الكاتب بأن الاهالي في حارة عابدين قمة في التماسك عندما تجمعوا تحت الشرفة استعداداً لالتقاط الطفلة التي ستسقط بين لحظة وأخرى من الشرفة بطرق بدائية وببساطة أهالي البابلي... غير ذلك لم نجد أي مناسبة لهذا المشهد حتى أن نهايته كانت طبيعية لم يستوجب معها كل ذلك (الأكشن) الحاد الذي صاحبه...
حسناً .. عرفنا طيبة أهل البابلي وعمو "ربيع السخن" والدكتور الحائر بين دروشته ومثالياته وتناقضات شخصيته مع شخصية أخوه الذي يمثل صورة عكسية عنه تماماً ... والحوار كان مليئاً محشواً بالحديث عن ناس زمان وأصالتهم في عابدين وهذا ما أصر عليه الكاتب برأيي ولكن بالنهاية ضاعت القصة الاصلية في مايريد اثباته الكاتب.... أخيراً نقول ، بالتأكيد كاتب كبير مثل أسامة أنور عكاشة كان يقصد شيئاً من وراء قصته خاصة أنه مبدع ليالي الحلمية... وصلنا جزء منه بوضوح والجزء الآخر هو رسالة موجهة لطبقة معينة من الناس صارت تطفو على السطح في مجتمع قوامه يصل إلى 70 مليون نسمة... وكيان اقتصادي صارت معالمه تُرسم وتتضح بعد العولمة والخصخصة وتسليم زمامه لأناس منهم من يعي مصلحة المجتمع ومنهم من يلعب من وراء حجاب .. ومثل هذه الاعمال الدرامية يفترض أنها تبرز مزايا وعيوب نتجت عن هذا الاسلوب.
(أين قلبي)
أما مسلسل "أين قلبي" فبحسب ظني أنه هو من حاز على الاعجاب بحسب المسموع وذلك من ردود الافعال ، وأثبتت الفنانة "يسرا" أنها بالفعل قمة في مجالها وقادرة على تجسيد أي شخصية وأنها ليست ممثلة (إغراء) فقط بل هي ممثلة ذات قيمة عالية وقدرة عجيبة في إقناع المشاهد بدورها ربما لحساسيتها المرهفة ، و مع ذلك فقد ظهرت صلبة قليلة الدموع ، مع كل ظروف القصة التي مرت بها... كما أن القصة لمست بصورة جميلة الدور الصعب للأم في تربية أطفالها رغم صعوبة البيئة المحيطة بها والمشاكل التي تهد الجبال التي تعرضت لها ، فكانت صامدة وبقوة كما أشرنا ... كما أبدع الكاتب في إظهار التغيرات المتلاحقة للشباب في سن المراهقة بصورة نزلت للواقع وشرحت بعض تفاصيله الدقيقة بوضوح ، فالفتاة الحالمة "فرح" والتي رغم حرص أمها على أن تجرعها أبجديات الاصول والخلق الحسن - طبعاً حسب وجهة نظر الام التربوية من ناحية اجتماعية بالذات - إلا أنها - أي فرح- كانت تنظر لذلك الرجل القوي البارز ذو الشخصية الاجتماعية المرموقة والثراء الكبير - ونقصد محمود قابيل "د.خالد العشيري" - لتكون له زوجة وهي التي في سن ابنته وهذه الظاهرة موجودة ومن أزمات المراهقة التي تمر بها الفتيات أحياناً في هذه السن الحرجة فمابالك بشخصية مثل "فرح" تفتقد إلى شعور الأبوة منذ الصغر ... أيضاً جسدت لنا "عبلة كامل" المتميزة على الدوام دور "وصال" الصديقة الوفية "لفاتن" وهذا الدور أيضاً لو لم تكن عبلة كامل من مثل شخصيته لما ظهر بهذه الكيفية... وعالج المسلسل بصورة شاملة عديد النقاط من سلبيات وظواهر غريبة تدور في المجتمع العربي عموماً متنقلاً من مشكلة لأخرى فمن مخالفات البناء الهندسية حتى نصل إلى ما يتعرض له آكل مال اليتيم بالحرام - وخاصة ذوي القربي - من عقاب في الدنيا قبل الآخرة ، ممثلاً في ماحدث لآل بيت "شلبي" من مآسي بدءاً بقصة ابنته "توحة" وصولاً إلى مرض "شلبي" نفسه وحريق مصنعه ، ومع ذلك لم يقطع الامل في أن يظهر نبات طاهر حسن من هذه الاسرة الفاسدة أسرة "شلبي" التي جسدها باقتدار الفنان "حسن حسني" وهو ابنه "سلامة" وهذا يعطينا دائماً أمل في أن الخير أحياناً يظهر من وسط الشر وهذه حكمة إلهية...
(الأصدقاء)
ثم نذهب لمسلسل "الأصدقاء" والذي تحدث عن قيمة كبيرة أعتقد أنها هذه الايام صارت من الخيال وهي الخل الوفي الذي تعارفنا على أنه ثالث المستحيلات الثلاثة... فكان مسلسل "الاصدقاء" علامة بارزة أخرى في الدراما الرمضانية المعروضة هذا الموسم وخصوصاً النهاية الحزينة السعيدة التي انتهى عليها المسلسل والذي أراد بها كاتبه أن يبين - بقصد منه أو بدون قصد - قول النبي صلى الله عليه وسلم - في ما معناه "مازال الخير في وفي أمتى إلى يوم القيامة" ... والخير هنا في هذا المسلسل هو العلم والمعنى الحقيقي للصداقة... فالعلم خير وهو لن يتوقف بدليل عندما استلم الراية تلميذ "الدكتور عزيز" "صلاح السعدني" عالم الذرة بعد اغتياله ليكمل بحوث استخدامات سلمية للذرة ، وهنا لاندري طبعاً هل هي قصة حقيقة أم أنها مجرد خيال (ونقصد المشروع العلمي الذي طرح في المسلسل)... كما أن "فاروق الفيشاوي" ضرب المثل بأن الشخص لايعيبه فقره مادام يعمل وأن مثاليته لايمكن أن تباع أو تشرى بالمال وأبدع الفيشاوي هذه المرة ايضاً ... وأخيراً المستشار الكبير الذي مثل دوره الفنان القدير "محمد توفيق" يعطي الصورة المثالية التي يجب أن يكون عليها القاضي أو المستشار وأن صاحب هذه المهنة الحساسة ليس كما يقولون أنه ليس بصديقَ لأحد ولايمكنه أن يخرج من بيته أو يتنزه ، بالعكس بامكانه أن يعيش حياته الاعتيادية ولكن في حدود معقولة بدون انغلاق حول نفسه وعائلته...
---------- يتبع بالجزء الثاني ------------
![]()