عن الإنترنت أتحدث ..

سؤال جعلتني الظروف أطرحه على نفسي, هل ارتباطنا بالإنترنت هو عادة اعتدناها و لا نستطيع التخلي عنها دون أن نجد مبرر لذلك ؟ أم ان الأمر أكثر عمقا من ذلك ؟؟ .. على مدار الأسبوعين الماضيين اضطرتني ظروف السفر الى الإنقطاع بشكل شبه كامل عن الإنترنت و لكنني وجدت في هذة التجربة مدعاة للتأمل في أكثر من أمر و ما يجمع بينها جميعا هو كونها تشترك في ارتباطها جميعا بالاتصال بالإنترنت بشكل أو بآخر. و هي الأمور التي سأتناولها واحدا تلو الآخر.

الإنترنت هو وسيلة و ليس غاية في ذاته

هذة هي الخلاصة التي توصلت اليها بالتجربة الأكيدة, فعندما تفقد اتصالك بالإنترنت لفترة طويلة فإنك في البداية بكل تأكيد سوف تفتقد هذة العادة التي لا تجد لها مبرر التي تدفعك الى تفقد بريدك الإلكتروني كل عدة دقائق و الرغبة في ابقاء عدد المقالات الغير مقروؤة في تطبيق Google Reader – و الذي يجلب لك مقالات و آراء مختلفة من كل ما تحب متابعته – عند الرقم صفر, ربما تشعر كذلك باشتياقك لتصفح مواقعك المعتادة و في مثل حالتي متابعة الحلقات الجديدة من البودكاست التي تتابعها و لكن في خلال أيام معدودات فإنك سريعا سوف تنسى هذة الأحاسيس و تعود لتدرك شيئا آخر و أكثر أهمية.

ما أتحدث عنه هنا هو هذا المعني سالف الذكر و الذي يرتكز على كون الإنترنت قد أصبح وسيلة, وسيلة رئيسية في عالم اليوم تعينك على تنفيذ العديد من المهام و الأمور الحياتية اليومية و أن الأمر لا يتعلق مطلقا بالعادة التي و لا شك هي جزء من تعلقك بالإنترنت و لكنها ليست الجزء الأكبر من ذلك. لقد أصبح الإنترنت أداة من الأدوات التي نتعامل معها يوميا دون أن نفكر في ماهيتها, دعونا ننظر اليه نظرة لا تختلف عن نظرتنا الى السيارات و القطارات التي تنقلنا من مكان الى آخر دون أن نفكر في مدى اعتمادنا عليها, و لكن مع الفارق في كون الإنترنت أكثر فائدة و أكثر تعددا من حيث استخداماته عن هذة السيارات و القطارات.

بعض هذة الاستخدامات الرئيسية التي ستكتشف انه لا يمكنك اتمامها دون وجود الإنترنت و التي تبتعد كل البعد عن الإستخدام الترفيهي تتضمن على سبيل المثال لا الحصر, الإتصال التليفوني عبر الإنترنت, تنظيم الحركة و السفر بما في ذلك مسألة ادارة و حجز تذاكر الطيران و غيرها من وسائل المواصلات, الخرائط و تقنيات تحديد المكان و البحث عن أماكن بعينها, بعض الأنباء التي لا غنى عنها, إرسال و استقبال المستندات الهامة و تبادل بعض المراسلات الإلكترونية العاجلة.

في عبارة واحدة, فإنه في تقديري فإن صلتنا بالإنترنت في عالم اليوم ليست عادة اعتدناها, و انما هي صلة نابعة من أهمية حقيقية لهذة الاداة في القيام بالعديد من المهام الحياتية اليومية التي أصبحت بطريقة أو بأخرى غير قابلة للإتمام بأي وسيلة أخرى.

الإنترنت في كل مكان .. بين الحلم و الحقيقة

مما لا شك فيه أن انتشار و مساحة تغطية شبكات الإنترنت اللاسلكية قد تضاعفت مرات عديدة عما كنا عليه منذ عام مضى, بل دعونا نقول منذ شهر واحد مضى و هي في تزايد منتظم و مستمر. و لكنني أملك ملاحظات عدة على هذا الأمر سأطرحها من ثلاثة جوانب رئيسية.

أولا, استخدام خدمات البيانات عبر شبكة الهاتف المحمول أثناء التجوال أو ما يسمى بالData Roaming. في كلمة واحدة, لا يصلح. نعم بالفعل, فأسعار استخدام خدمات البيانات و الإنترنت كجزء من خدمة التجوال الدولي باستخدام بطاقة الهاتف ذاتها التي تستخدمها في وطنك الأم لا تزال فلكية في أقل أوصافها حتى و ان تفاوتت هذة الأسعار من دولة الى أخرى و من مشغل لآخر و يشترك في ذلك كل من الدول النامية و المتقدمة حتى و ان وجدت فوارق بينها. و هو أمر يعود الى زمن طويل و لا يزال ثابتا لا يتغير لسبب لا أزال أجهله مع الإنتشار الشديد لاستخدام الإنترنت عبر شبكات الهاتف المحمول السريعة و هو ما يجعل هذا الخيار غير مطروح إلا فيما ندر و في حدود ضيقة حيث أن وحدة المحاسبة في معظم الاحيان هي الميجا بايت الواحدة من تبادل البيانات.

ثانيا, انتشار تغطية الإنترنت اللاسلكي عبر الواي فاي, أظنني لا أكون قد جاوزت الحقيقة حين أقول ان تغطية الواي فاي قد قاربت في انتشارها في بعض الدول تغطية شبكات الهاتف المحمول ففي أي نقطة في نطاق دولة كاملة تجد ما لا يقل عن 2 الى 3 شبكات انترنت لاسلكية, و قد اتيحت لي الفرصة خلال هذة الرحلة الأخيرة في تجربة استخدام الإنترنت عبر الواي فاي في جميع أشكال وسائل المواصلات المألوفة بما في ذلك الطائرات و القطارات السريعة و التي باتت مزودة – و إن كان الأمر لا يزال محدودا ببعض الطرازات و بحسب الأماكن التي تقصدها هذة المواصلات – بشبكات انترنت لاسلكية لخدمة راكبيها و إن كانت لا تزال مكلفة نسبيا .. و التكلفة هي موضوعنا في النقطة الثالثة في هذا الشأن.

ثالثا, تكلفة استخدام الإنترنت. على الرغم من توافر الإنترنت بشكل واسع النطاق إلا أن السمة التي باتت غالبة, أوروبيا بشكل خاص, هي انه الى جانب وجود بعض شبكات الإنترنت اللاسلكية المجانية فإن هناك العديد من الشركات التي باتت تقدم خدمات الإنترنت اللاسلكي التجارية معتمدة في ذلك على نشر عدد من شبكات الإنترنت اللاسلكية في عدد من الأماكن الحيوية و التي تحتاج الى بطاقات شحن خاصة لاستخدامها. المشكلة الكامنة هنا هو أن هذا السوق قد بات مشتتا بشكل كبير ما يجعله من غير المنطقي أن تبتاع بطاقة شحن خاصة بإحدى الشركات تتيح لك استخدام الإنترنت لمدة طويلة, أسبوع على سبيل المثال, لتفاجأ عند حاجتك للإنترنت في المرة التالية بأن الشبكات اللاسلكية المتاحة في هذا المكان الجديد الذي تقف فيه في هذة اللحظة تابعة لشركات أخرى و أنك تحتاج الى بطاقة جديدة لتستخدم الإنترنت في هذا المكان. هذة المشكلة في تصوري بحاجة الى حل يتمثل في تعاون بين هذة الشركات يسمح بما يماثل التجوال الداخلي بينها بنفس البطاقات, أو ربما في أن يباع الحق في تغطية المدن بأكملها لشركة واحدة تقدم خدماتها في نطاق مدينة بأكملها.

هل انتهى حديثنا عن الإنترنت ؟! لا أظن أن هذا حديث يمكن أن ينتهي, و لكن الى هنا انتهت ملاحظات لفتت انتباهي عن استخدام الإنترنت أثناء السفر لفترات طويلة نسبيا و دون استقرار حقيقي. إذا كنت تنوي السفر دون استقرار لفترة طويلة نسبيا و تبحث عن نصيحة للطريقة المثلى لاستخدام الإنترنت خلال هذة الفترة فنصيحتي الشخصية التي ربما تفيدك, انتقي مكان للإقامة يملك تغطية انترنت لاسلكية في غرفة اقامتك و استخدم الإنترنت فقط من هذا المكان مرة أو مرتين في اليوم لفترة متصلة بحسب حاجتك, فذلك في تقديري أفضل كثيرا من التشتت وراء الخيارات العديدة المتاحة.

ملحوظة: الصورة الملحقة بالمقال تظهر شبكة الواي فاي المجهزة بها إحدى طائرات إير باص الخاصة بشركة مصر للطيران و التي سوف يلحق بها قريبا خلال الشهور القادمة كذلك خدمة تغطية الهاتف المحمول داخل الطائرة

لا يسمح بنقل هذا المحتوى من سوالف دون الاشارة برابط مباشر