لا شك أن حكايات ألف ليلة وليلة هي أكبر مجموعـة من الحكايات الشعبية التي تمثل تراثا ثقافيا متوارثا يجمع ثقافات شعبية عـدة في كتاب واحد، وقد عرفت فقط في اللغة العربية بالرغم من أن أن هناك اشارات في المصادر العربية بأن اصولها ترجمت عن الفارسية. ويبدو أن هذه الحكايات كانت معروفة في دولة الخلافة منذ العصر العباسي الأول، حيث يذكر لنا أبو الحسن المسعودي المؤرخ العربي الذي عاش في القرن الرابع هـ /العاشر الميلادي في كتابه المعروف "مروج الذهب ومعادن الجوهر" أن هناك حكايات شائعة بين العامة يروونها ويتناقلونها تعرف باسم " هزار افساه - افسان" أي ألف حكاية. كما أشار الى ذلك ابن النديم في كتابه الفهرست. وقد ذكر ابن النديم الى محاولة كتابة ألف ليلة وليلة للمرة الأولى على يد الوزير العباسي عبد الله بن عبدوس الجهشياري مؤلف كتاب الوزراء والكتاب. ويذكر ابن النديم أن أول من صنف في الخرافات هم الفرس وأول كتاب عمل في هذا المعني هو كتاب هزار افسان ومعناه ألف خرافة. وقد أوضح ابن النديم السبب في وضع هذه الحكايات وقصة الملك شهريار والأميرة شهر زاد التي عملت من خلال الدراما القصصية على انقاذ بنات جنسها من يد الملك الغيور والمنتقم. بعد ذلك أصبحت هزار افسان وسيلة للمسامرة بين الناس. ويذكر ابن النديم أنه رأى هذا الكتاب بتمامه باللغة العربية في عدة مجلدات. كما يضيف بأن الوزير الجهشياري هو الذي بدأ بتسجيله من لسان الرواة والمسامرين أو ترجمة ما وقع تحت يده عن الفارسية، الا أنه لم يتم سوى 480 ليلة فقط. كل ليلة مؤلفة من خمسين ورقة.
أما أول ذكر لحكايات ألف ليلة وليلة بهذا الاسم الذي نعرفه الآن فربما يعود الى العصر افاطمي، حيث ذكر واحد من المؤرخين المصريين في هذا العصر وهو المعرف باسم القرطي (1160-71) الذي كتب تاريخ مصر في العصر الفاطمي أن هناك مجموعة من القصص بين أيدي الناس تعرف بأسم " ألف ليلة وليلة" يتسامرون بها في اجتمعاتهم وسهراتهم الليلية . كما عرفت نسخ منقحة لبعض هذه الحكايات والتي كتبت فيما بين القرن 13 و14 الميلادي وموجود نسخها في استانبول في تركيا.
يقول المتخصصون أن حكايات ألف ليلة وليلة تنقسم الى قسمين رئيسيين. قسم يعرف بالقسم البغدادي أي الذي وضعت اسسه الدرامية في بغداد وقسم مصري ينسب لواضعيه في مصر. كما أن هناك اعتقاد واضح بأن العمود الفقري أو البناء الأساسي للقالب الدرامي لهذه الحكايات هو ما يعرف بالألف خرافة الفارسية (هزار افسان) . بالرغم من أننا لا نعرف وقت وكيفية انتقال حكايات الف ليلة الى مصر وتطورها على النحو الذي عرفت به فيما بعد، الا أن ت. ليفيتسكي يعتقد أن ذلك ربما حدث بعد سيطرة السلاجقة على دار الخلافة في بغداد، أى مع حلول القرن الحادى عشر.
بشكل عام فحتى الآن لا توجد لدينا أى أسس علمية كي نعتقد أن هناك مؤلف بعينه لحكايات ألف ليلة وليلة رغم ادعاء البعض بذلك. هذا ما ادعاه وليام لين William Laneفي مقدمة الترجمة الانجليزية التي صدرت في السنوات ما بين 1839-41 اذ يذكر أن هذه الحكايات تمت كتابتها عن طريق مؤلف واحد في الفترة ما بين 1475-1529. ربما وليام لين يشير هنا الى الشخص المجهول الذي قام بتجميع هذه الحكايات سواء العراقية أو المصرية منها في كتاب واحد.
ظلت هذه الحكايات تروى شفهيا على مر العصور وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل ويسردها الرواة في المقاهي والتجمعات الشعبية ربما حتى منتصف القرن العشرين. لم يقتصر الأمر على الرواية الشفهية فقط بل كانت هناك مخطوطات لهذه الحكايات في كل بلد عربي، ربما تختلف اختلافا بسيطا من بلد لآخر أو من زمن لآخر أيضا وربما تزيد حكايات البعض منها عن الأخر. ولا شك أن هذه الحكايات كانت تتزايد نسبيا من عصر الى عصر. فبالاضافة الى الحكايات التي نسجت في العراق، كانت هناك اضافات اخرى حدثت في بعض البلدان العربية خاصة مصر والشام. لذلك نرى أن مجموعة الحكايات المضافة هذه ما لبثت وأن أصبحت جزءا أساسيا من حكايات ألف ليلة وليلة.
تحتوى ألف ليلة وليلة العديد من الحكايات التي يمكن أن نصنفها تحت عناوين عدة : مثل الأساطير ، وحكايات الجان، والحكايات التاريخية، والحكايات الاجتماعية، والحكايات الوعظية. كما احتوت ألف ليلة وليلة على أبطال حقيقيين مثل الاسكندر الأكبر، هارون الرشيد، الخليفة المأمون هذا بالاضافة الى الأبطال الاسطوريين أو نصف الاسطوريين. كما حوت أيضا على أبطال من نسج الخيال يمثلون أبطالا من بين بعض فئات الشعب مثال السندباد المغامر وعلى الزيبق الذي كان يقاوم استبداد الحكام، وعلى بابا البطل الطيب المحظوظ وعلاء الدين ومصباحه السحرى، بالاضافة الى الحكايات ذات الخيال العلمي السابق لعصره كعبد الله البري وعبد الله البحري والبساط السحري والحصان الطائر ومدينة النحاس وغيرها من الحكايات. ولا ينبغي أن تخدعنا بعض الأسماء التي توحي بأصول هندية، فمثلا اسم السندباد يوحي بأصول هندية الا أن القصة تشير الى أنه بغدادي الأصل ، بالاضافة الى أن كافة مغامراته تحدث بين موانيء بغداد والبصرة من ناحية وأعالي البحار الشرقية ونكاد نشعر بأنه فتى بغدادي الأرومة كما تروي الحكاية. كما أن اسم على بابا يحوي بأصول تركية الا أن الحكاية بتفاصيلها لا توحي بذلك.
أصول حكايات ألف ليلة وليلة
يرجع المستشرق اينو ليتمان E. Littmann المصادر الأولى لحكايات ألف ليلة وليلة الى اصول هندية وفارسية. ولا شك أن القارىء المثقف يستطيع بشىء من الجهد أن يميز بين طبيعة الحكايات وبعضها البعض. فهناك حكايات الجن والسحر والمسخ، وهذه من الممكن ارجاعها على الأغلب الى أصول هندية، وهناك حكايات البلاط والملوك والتي تبدو فيها ملامح البلاط الساساني والفارسي وهذه من المحتمل أن تكون ذات مصدر فارسي. أما الحكايات ذات الأصول العربية فقد استطاع العديد من المتخصصين ارجاعها الى اصولها العربية سواء كانت في بغداد أو البصرة أو القاهرة أو غيرها. كما استطاع المستشرق الهولندي دي خويه De Goieje وبعد سلسلة من الأبحاث قدمها المستشرق دي ساسي De Sacy والمستشرق J.V. Hammer والمستشرق الألماني Th.Nöldekeأن يبين المصادر الأصلية لقصص ألف ليلة وليلة واستطاع أن يفصل بين الحكايات ذات الأصل المصري وتلك ذات الأصل البغدادي العراقي أو الشامي من ناحية وبين الحكايات ذات الأصل الهندي أو الفارسي.
ولا يمكننا الفصل بأي حال من الأحوال بين ألف ليلة وليلة وبين كتب العجائب والكوسموغرافيا التي كانت معروفة منذ القرن التاسع الميلادي وعلى سبيل المثال وليس الحصر كتاب أخبار الصين والهند لمؤلف مجهول جمع في سنة 237 هـ/ وكتاب عجائب الصين والهند للربان بزرج بن شهريار وخاصة كمصدر لحكايات السندباد وبعض المغامرات البحرية والرحلات الى بلاد غريبة، كما من الممكن اعتبار ملحمة الأميرة ذات الهمة وبعض المصادر التي تؤرخ للحروب العربية البيزنطية كمصدر لبعض حكايات ألف ليلة.
طبعت ألف ليلة وليلة لأول مر اللغة العربية في كلكتا بالهند تحت رعاية الشيخ أحمد بن محمود شيرواني في عام 1814 في مجلدها الأول في حين صدر المجلد الثاني في عام 1818 الا أنها احتوت فقط على مائتي حكاية بالاضافة الى حكايات السۤدباد البحري . أما الطبعة الكاملة لها باللغة العربية فهي المعروفة بطبعة بولاق-مصر ۤالتي صدرت في عام 1251/1835 في أربعة مجلدات على أساس أكمل مخطوطة وجدت لها في مصر. توالى فيما بعد طباعة ألف ليلة فاستكملت طبعة كلكتا في الأعوام بين 1838-1842 في اربعة مجلدات. ولم تلبث أن صدرت طبعة بريسلاو الشهيرة في عام 1909 والتي اعتبرت من أفضل الطبعات. وقد تتابعت فيما بعد اعادة طباعة نسخة بولاق وكلكتا عدة مرات حتى أصبحت شائعة بين الناس في المشرق والمغرب العربي. أصبحت ألف ليلة وليلة بشكلها الحالي، أو بمعنى أصح في طبعتها المصرية تحتوي على حوالى 170 حكاية موزعة على ألف ليلة وليلة، بعض هذه الحكايات تطول كي تبلغ أكثر من 30 ليلة وبعضها الآخر لا يتعدى ليلة واحدة.
ألف ليلة وليلة في اوربـا
مع عصر النهضة بدأ الاهتمام بالشرق ليس فقط من الناحية الفليولوجية والدراسات اللغوية أو الدينية فقط ولكن شمل ذلك كافة مجالات الفكر الاسلامي من فلسفة وعلوم وآداب. ومن ضمن كافة فروع الآداب العربية انفردت حكايات ألف ليلة وليلة وقصص كليلة ودمنة والمقامات العربية باهتمام خاص من قبل المستشرقين الاوربيين. وقد تواكب ذلك مع حدوث نهضة في فن المسرح الذي يعد فنا اوربيا بالاساس. ومع بداية النشاط المسرحي بدأت تخرج في المسرحيات المقدمة شخصيات وعناصر شرقية (عربية واسلامية) مستوحاة من الفنون الأدبية التي ذكرناها أعلاه.
يشير اينو ليتمان الى أننا نستطيع أن نتتبع بداية دخول حكايات ألف ليلة وليلة الى الأدب الأوربي مع منتصف القرن الرابع عشر في كتابات جيوفاني سيركامبي Giovanni Sercambi (1347-1424) وكذلك في حكاية استولفو Astolfo وجيوكوندو Giocondoالتي كتبت في أوائل القرن 16 من ضمن 28 حكاية من حكايات اورلاندو فوريوسو OrlandoFurioso.