مجتمع الكومبيوتر و التجسس الرقمي
الموضوع مترجم عن بحث في مجلة در شبيغل الألمانية
ملايين من المنحرفين يتسللون سرا من الـ Internet ، الآلاف من آلات التصوير الدقيقة تتبع حركات المحاسبات و الزبائن في بيوت التبضع و محطات الوقود، مئات من المحللين الاقتصاديين يكشفون أسرار زبائن المستقبل، عشرات من الحاسبات الضخمة تتنصت على المكالمات الهاتفية، و بضعة أقمار صناعية ترقب كل حركة في المدينة - Little Brother is watching you.
![]()
ع ـندما كانت الشرطة البريطانية تبحث عن الرجل الذي قام بزرع ثلاث قـنـابـل في قلب العاصمة لندن، مكّن شريط التسجيل في إحدى آلات التصوير لمراقبة الطريق من العثور عليه.
عندما احتاجت دول حلف شمال الأطلسي ( NATO ) إلى صور المقابر الجماعية في ' كوسوفا ' أثناء الحرب مع صربيا، قدمت الأقمار الصناعية أدق الصور لذلك.
عندما احتاج المفتش الأمريكي Kenneth Starr ، المكلف بالتحقيق بقضية تورط الرئيس الأمريكي بعلاقة جنسية غير لائقة ، عندما احتاج إلى أدلة إدانة الرئيس، قام بالبحث عنها على أشرطة تسجيل المحادثات الخاصة للمتدربات في البيت الأبيض مع صديقاتهن.
عندما صارت شركة تصنيع محطات توليد الكهرباء الهوائية الألمانية Enercon تثير المتاعب لدى بعض منافسيها الأمريكان، قدم أحد أجهزة الاسـتـخبـارات الأمريكية لهم تسجيلات عن مكالمات هاتفية تحتوي على أسرار حساسة للشركة .
عندما شك زوجين أمريكيين من Connecticut في نزاهة مربية الأطفال، قدمت لهما آله تصوير مخفية، صور ضرب المربية لطفلهما الصغير.
عندما تقدمت الألمانية Patricia Christoph برفع دعوى على رب عملها مستغربة طردها من العمل دون سبب، قدم رب عملها للمحكمة نسخ عن بريدها الإلكتروني E-Mails .
في روايته عن المستقبل المسماة ' 1984' قدم George Orwell صورة عن مجتمع، يقوم فيه الأخ الأكبر ' Big Brother ' بمراقبة الشعب ليل نهار و تتطور فيه الدول إلى مؤسسات تجسس كبيرة. لكن Orwell أخطأ في نقطة مهمة؛ ليس الأخ الأكبر ( أمريكة ) هو الذي يرصد الناس، بل أخوة صغار كثيرون غيره، و المجتمع الحديث لم يتطور إلى دول تجسس بل إلى مجتمعات تجسس؛ صاحب المتجر ( Super Market ) يصور المحاسبات أثناء العمل، صاحب المصنع يراقب قاعة تبديل ملابس العمل، تجار البيانات يصورون كل بيت في المدينة..
كل ما توصلت إليه الصناعة العسكرية يوما لرصد أي نشاط عسكري ما في العالم، تم وضعه للبيع - بعد انتهاء الحرب الباردة - في سوق الأجهزة الكهربائية أو في شبكة الاتصالات Internet .
آلات التصوير الدقيقة لرجال الاسـتـخبـارات صارت في ألعاب الأطفال لمراقبة المربية الجافية، أجهزة توجيه القوات البرية كدليل طريق Navigator في السيارات الخاصة، أجهزة تنصت بالليزر كأداة لمراقبة الزوج الخائن، شبكة التجسس بالقمر الصناعي صارت تقدم للشركات نسخاً عن ' فاكسات ' و اتصالات منافسيها، و من أجل تتبع سارقي السيارات و بطاقات الائتمان، تستخدم شركات التأمين و المصارف أجهزة تَتَّبُع و قنص من الفضاء.
لم يبق في مجتمع رواية Orwell ' 1984 ' ما يسمى بـ ' الشؤون الشخصية ' و لم يعد فيه المال، الرفاهية، الصحة أو السعادة مهما، بل السلطة، وحدها السلطة . خطأ آخر في تنبؤات Orwell ؛ في مجتمع 1999 يدور كل شئ حول المال، فليست السلطة هي الدافع للتجسس على ' الشؤون الشخصية ' و بثها في شبكة الـ Internet بل حمى الدولار.
شركة Conrad ، أكبر متجر للإلكترونيات في ألمانية حقق في هذا العام وحده ما أطلق عليه ' ارتفاع مفرح في مبيعات أجهزة المراقبة و الحماية ' . و اتحاد شركات المراقبة و الحماية يتحدث عن ' انفجار ' في ضخامة السوق. حتى أن تاجرا صغيرا مثل Stefan Gmyrek استطاع اقتسام قطعة جيدة من ' تورتة ' المراقبة و الحماية الضخمة.
هكذا باع هذا الأخير من منزله الصغير بواسطة الـ Internet المئات من أجهزة التصوير و التصنت الدقيقة و أجهزة التشويش و أجهزة كشف مضادة لأجهزة التجسس . و استطاع بواسطة آلة المراقبة الدقيقة الخاصة من تصوير مهربي ' البشر ' من جمهورية التشيك إلى ألمانية، و بواسطة ميكروفونات دقيقة من التصنت عليهم في عقر دارهم شهورا طويلة .
![]()
تبلغ آلات التصوير من الدقة بحيث يمكن إخفاؤها في عين لعبة للأطفال، و هي قادرة على التصوير من خلال ثقب زر الثياب، و على البث لا سلكيا و بالألوان. و ثمنها لا يتعدى بعض مئات الدولارات. بينما يبلغ ثمن أحد أجهزة رصد الأشخاص بالاهتزاز حوالي الألف دولار، و بـ 20 ألف من هذه الدولارات يمكن الحصول على أجهزة ليزر قادرة على التصنت من خلال نافذة مغلقة أو عبر الجدار من غرفة مجاورة . و بـ حوالي 70 دولار فقط يمكن بواسطة آلة تصوير خاصة بالـ Internet يطلق عليها اسم Webcam مراقبة قاعة من أي بقعة في الأرض . لمعرفة ماذا يعمل المكلف بسقي النباتات في البيت أثناء الإجازة في الكاريبي مثلا .
![]()
بضعة آلاف من آلات الـ Webcam تقوم حاليا بتزويد منحرفين في كل أنحاء العالم بصور من كل زوايا البيوت الخاصة و المرافق العامة.
وحدها في ألمانية ترصد أكثر من نصف مليون آلة تصوير معظم تحركات المواطنين. أكثر من 17000 محطة تزويد بالوقود مدججة بآلات التصوير ، كل مصرف و مركز بريد، كل قاعة محكمة و مجلس بلدية، قاعات اللهو و متاجر التبضع، مصانع و أقسام الشرطة . حتى في محطة القطار في مدينة Frankfurt ترصد أكثر من 120 آلة تصوير المسافرين في كل أنحائها .
ما يسميه Hans Hermann Schrader، المكلف الألماني لحماية البيانات في مدينة همبـورغ بـ ' مخالف للدستور ' يسميه المستثمر Horst Piechowiak ' مراقبة مكتومة في عالم اقتصاد حر ' و يتابع باعتزاز: ' لقد قمت بحماية براءة اختراعي هذا ' .
عمله يقوم على غرس آلات التصوير السرية في خلايا ' كبينات ' قياس الملابس و الحمامات و زوايا المتاجر بتكليف من الشركات لكشف السارقين .
ما تصوره آلات التصوير السرية هذه من مواقف محرجة ، مثل بصاق أحد العمال في قهوة رئيسه في العمل، أو رفع أحد الطباخين الطعام الساقط عن الأرض و وضعه ثانية على الطبق، تبثه محطات ' التلفزيون ' الخاصة لجمهورها السخيف في عروضShows تحت أسماء مثل : ' غير معقول و لكن حقيقة ' أو مباشر و مجنون تماما ' أو ملف خاص ' ..
![]()
لا يوجد مكان في العالم، تزود فيه آلات التصوير ما هو أشد إحراجا أو أشد اشمئزازا أو أشد عنفا و إجراما عن بريطانية. و لا يسبقها أي بلد في العالم و لا حتى الولايات المتحدة، من حيث كثافة توزيع آلات الرصد على الرأس الواحد من السكان. و لا من حيث استخدام آلات الرصد هذه في مجال مكافحة الجريمة .
في ألمانية تسير حافلات صغيرة تابعة لشركة Tele-Info في شوارع مدنها و تصور بآلاتها الثمانية الموزعة على سقف الحافلة 50 صورة بالثانية، و تضمها إلى خرائط و مخططات المدن، ليصدر عنها قرص مدمج CD-ROM يحتوي على أسماء، عناوين و أرقام هواتف، كل واحد من السكان في هذه المدن، بالإضافة إلى دليل مُصَوَّر لبيته و الطريق المؤدية إليه. وعندما احتج المكلف الألماني لحماية البيانات، تقدمت الشركة برفع دعوى عليه و إرغامه قانونيا على الصمت .
لم يأت مؤسسو شركة Tele-Info من المريخ، كما أنهم ليسوا من المختطفين أو الإرهابيين، بل هم رجال استثمار، فهموا أن المعلومات أضحت بضاعة مربحة، مادة خام مثل النفط أو الكوكائين. و المعلومات عن الزبائن بالذات مثل الذهب: عشرة دولارات يبلغ ثمن عنوان مستهلك واحد، حينما ترغب شركة ما، في الحصول على عناوين لمشتري معلبات أكل القطط، أجهزة الإنذار أو أشرطة ' الفيديو ' من تجار العناوين.
60 مليون عنوان تضم مليار من المعلومات بلغ مجموع ما تملكه شركة Schober Direktmarketing GmbH ، أكبر شركة خاصة لجمع المعلومات في ألمانية . رئيس الشركة، Arnold Steinke و الذي يراه المكلف الألماني لحماية المستهلك بأنه رأس الشر، باستطاعته تمييز 90 % من سكان ألمانية؛ يعرف من يملك حديقة في بيته، من لديه ' كراج ' ، من يتبرع لصيانة مقابر قتلى الحرب، ومن للـ Greenpeace . يعرف من ليس باستطاعته قضاء عطلة الأسبوع في بيت الشباب، و إذا كان هذا عن فقر أم عن بخل. إنه يعرف من يدفع ثمن سيارته نقدا و من أصابه بسببها الإفلاس. و لكن Steinke يريد المزيد. إنه يريد معرفة كل قادر على الدفع و كل فقير مدقع، لأنه حسب رأيه ' لكل واحد هناك سلعة تناسبه ' .
لهذا السبب يرسل Steinke عملاؤه، الذين لا يتركون عورة مستورة، يمكن منها الحصول على المعلومات؛ مصنفات أرقام الهواتف، إعلانات الصحف، معلقات الحائط في الدوائر الحكومية ، الكتب و منشورات المعارض، دوائر السجلات المدنية و دوائر الإحصاء، نشرات استعلامات و صور من الجو. و إذا لم يصل إلى مبتغاه ، فهو يرسل بطاقة استعلامات بالبريد مغريا زبائنه بالفوز بجائزة ، تاركا إياهم يجيبون طوعا عن 125 سؤالا يخص عاداتهم الاستهلاكية و رغباتهم الشرائية المستقبلية.
1,5 مليون سمحوا لـ Steinke هذا بإلقاء نظرة أعمق إلى أسرار المستهلك الألماني. و عندما احتج المركز الألماني لحقوق المستهلك كان جواب شركة Schober هو : ' أردنا بهذا فقط معرفة حدود الألم لدى المواطن '. و هدفهم من وراء معرفة حدود الألم هذه هي وضع كل مواطن في الخلية المناسبة ، ' حيث تضم كل خلية مجموعة لها الصفات ذاتها ' يتابع Steinke. ' و ربطها بالشبكات العصبية.