ثم قست قلوبكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باسم الله نبدأ، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير..
أحبّتي في الله, إلى الله نشكو قسوة القلوب؛ باتت القلوب وقد ألفت رؤية المنكرات في واقع المسلمين وإن أنكرته, وأصبحت وقد تعوّدت رؤية النكبات تحيط بالأمة من كل جانب, حتى أضحت أخبار قتلى المسلمين هنا وهناك شيئاً عادياً, ومناظر القصف والتشريد كالوجبة المسممة التي تعودنا عليها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
مع كثرة الفتن والابتلاءات التي تعرض على قلب المسلم يومياً, ومع عدم وجود التحصين الكافي لكثير من رجال ونساء الأمة اليوم إلا من رحم الله, أصيبت القلوب معها بشيخوخة قاتلة, ومرض مزمن لا يرفعه عن قلب المؤمن إلا ملك الملوك سبحانه وتعالى, وما ذلك إلا مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا. فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ. وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ. حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصَّفَا. فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ. وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخِّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا. إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ». ( أو كما قال صلى الله عليه وسلم).
قال تعالى واصفاً قلوب بني إسرائيل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
قال الشوكاني في فتح القدير: "والقسوة الصلابة واليبس وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة من (الآيات المرئية) من إحياء القتيل وتكلمه وتعيين قاتله.
وقد بين الله تعالى للمؤمنين خطورة قسوة القلب وبعده عن الخشوع في قوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}. كلمات يشع منه النور تدل على عطف الله على عباده, ومعاتبته لهم سبحانه, وحبه لأن تخشع قلوبهم وتلين لذكره.
أما آن الأوان يا شباب الإسلام؟ أما آن الأوان يا فتيات الإسلام؟ أما آن الأوان يا أمة الإسلام؟؟ رأينا من شباب المسلمين في عصور الإسلام المختلفة من رفعوا الأمة وأعلوا شأنها بمجهودهم الفردية, فلما بذلوا وما هانوا ولا تكاسلوا وما قصّروا حصل مرادهم, وتم لهم ما أرادوا بل وأكثر، وتحقق فيهم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
ها هو ذا مصعب ابن عمير صبي مكة المترف قبل الإسلام, هذا الفتى الذي كانت به تزدان أندية مكة ومجالسها, حتى كانوا إذا قدم عليهم وفد زينوا مجلسهم بمصعب.
فلما نادى النبي صلى الله عليه وسلم نداء الحق, أسرع مصعب ملبياً وقد صدق في التلبية, وهجر ماضيه بل نسيه, وأقبل على الله, وقد تغير حاله, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه رقة عليه، عندما رآه بثياب مرقّعة، وتذكّر حاله قبل الإسلام, ولكنه لم يبالِ, وأدرك أنه من تلاميذ المعلم الأول صلى الله عليه وسلم, فاستحق أن يكون أول سفير يرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد بيعة العقبة الأولى, فما كان منه إلا أن صدق الله, فصدقه الله، فما بقيت دار من دور المدينة بعد مرور عام إلا وقد دخلها الإسلام, فكان مصعب هو من وطأ المدينة ومهّد بناء الدولة الإسلامية الناشئة, فأيّما شرف بعد هذا الشرف أن يكون مصعب هو من مهّد دولة الإسلام التي لا زالت امتداداتها تغمر الدنيا حتى عصرنا هذا.
بل في عصرنا هذا وجدنا شباباً باعوا دنياهم لله تعالى فربح البيع بإذن الله, هذا شاب من جزيرة العرب في مقتبل العمر أتته الدنيا فركلها بقدمه وخرج طالباً الشهادة, ومطارداً الموت في سبيل الله في مظانه حتى نال ما أراد, ولكن بعدما علم الدنيا بأسرها الفداء والتضحية وروح الجهاد العالية, إنه خطّاب رحمه الله, هذا الشاب العربي الذي خرج من أرضه وهو لم يكمل العشرين بعد وظل مطارداً الشهادة, باذلاً نفسه لله رب العالمين, حتى فتح الله على يديه وعلى أيدي إخوانه في عدة مواطن, وقد علم الدنيا {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}.
هؤلاء أصلحوا قلوبهم، فهجروا الدنيا وباعوا أنفسهم لله, عرفوا الدنيا على حقيقتها: ظاهرها الحسن وحقيقتها عجوز شمطاء, علِموا أن سلعة الله غالية وأنها الباقية فباعوا الفانية.
فإياكم أحبّتي والوقوع في شباك هذه الحسناء التي تقتل أزواجها, تتزين لهم ببهرجها وزخرفها, وما هو إلا غرور ومتاع عما قليل حتماً يزول, فلا تبق بعده إلا الحسرة والزفرات, ولكن هيهات هيهات.
أنت الآن لازلت على قيد الحياة, والباب لازال مفتوحاً والفرصة سانحة, فهلا تغيرنا, وهلا تعلقنا بذكر الله وبشرعه, وتمسكنا بحبله المتين.
أخي الكريم.. أختي المباركة
ولإنقاذ القلوب مما اعتلاها من ران علينا بالتخلية قبل التحلية, تخلية القلوب مما علق بها من شركيات تتعلق بالأضرحة والقبور ونواقض الإسلام, تخليتها من البدع المحدثات, تخليتها من المعاصي الظاهرة، كالفضائيات والفيديو كليب وما جرّت علينا من بلاء ودياثة, ومثلها كل سماع أو مشاهدة محرمة, كذا سائر المعاصي كشرب الخمور والدخان والمخدرات, وإزعاج المسلمات بالتعرض لهن في الطرقات, وإيقاع الغافلات منهن في شراك الذئاب, وغيرها من كثير من المعاصي عمت بها بلوى المسلمين.
أما التحلية فبعد التوبة للحفاظ على القلب على المسلم أن يتعهده بترياقه الشافي, وبلسمه العظيم, ألا وهو الذكر وأعلاه القرآن, فعلى المسلم المحافظة على أن يكون له ورد يومي من القرآن، كذا عليه المحافظة على الأذكار اليومية, ثم قبل كل هذا التقرب إلى الله بما افترض على عباده, فما تقرب عبد إلى الله بأعظم مما افترض عليه, من صلوات وزكوات وصيام وحج, وأمر بمعروف ونهي عن منكر وتعلم علم فرض كالعقيدة حتى يصح دينه ولا يقع في الشرك ويعرف من يعبد وتعلم فروض العبادات، حتى يؤديها صحيحة فلا تفسد عليه عباداته, وكذا فرض الدعوة إلى الله, وفرض الجهاد في سبيله, إلى آخر ما افترض الله على عباده.
أخي الكريم، أختي الكريمة..
بادر وبادري بإصلاح القلب وعليكم بقراءة سير الصالحين أولهم الأنبياء فبها تعلو الهمم وتتقد العزائم.
أسأل الله تعالى أن يحيي قلوبنا بالإيمان، ويعمرها بالقرآن، ويلينها بالذكر, ويجعلها سليمة حتى نلقاه بها سليمة فنفوز
وقد أعذر من انذر