الآن ، في عقدي الثالث من الحياة ، بدأت أخيرا أفهم كيف تدور الحياة ، صحيح أني وصلت القطار متأخرا ، لكني أدركته قبل فوات الأوان .. كنت في الماضي أعتقد الأمور تسير بشكل آخر ، اعتقدت أن الأرض تدور من اليمين إلى اليسار ، و أن أوروبا فوق و أفريقيا تحت ، أن البشر بالأصل طيبون ، و بعضهم فقط هم الجانحون عن الصراط، لكنها ليست الحقيقة ، ليست هناك قاعدة في هذه الحياة ، يمكن أن نجزم بها .. فالأرض ليس لها فوق و لا تحت ، و دورانها ليس من اليمين للشمال و لا بالعكس ، لأن في الفضاء ، إذا صح تسميته فضاءا رغم ما فيه من أجرام و غازات ، ليس فيه جاذبية لتحت ، و لا فيه فوق .. و بهذا ، فأفريقية لا تقبع تحت قدمي أوروبا ، كما تصور لنا الخرائط هذا ، فهي بمنظور آخر تقبع على أنفاس أوروبا .. و الانسان .. ليس سيئا إذا استفاد من وقته أولا ، قبل أن يفيد الآخرين .. و السباحة عكس التيار ، ليس بالضرورة عكس التيار ..
كنت أعتقد أن الانسان يتم تقييمه بفائدته للآخرين ، على مبدأ خيركم أنفعكم للناس ، فكنت لا أدع فرصة أقدر أن أكون مفيدا للناس ، إلا و استغللتها في صالحهم ، و النتيجة كانت .. أني نسيت نفسي ..
اليوم ، و بعد ما يقرب عشر سنين على ظهور أضراس العقل ، أدركت أني لم أكل عاقلا كفاية لأفهم الدنيا .. فما أعرضه للناس ، صغير جدا ، بحيث أن الناس ليست مستعدة لأن تدفع فيه درهما واحدا .. في حين أنهم يدفعون في أشياء كثيرة ، لا يهمني حتى الحصول عليها مجانا .. الكثير ..
كنت اخدر نفسي بعبارات مثل : الذهب الأبريز بالأرض و هو رفيع، و الدخان يتسامى بالسماء و هو وضيع ..
اليوم لم تعد الحياة مجرد تيار نهر ، تمشي معه أو عكسه .. وفق قناعتك .. بل صارت من الخرسانة الصلبة .. جدارا عاليا مثل جدار عزل الفلسطينيين .. و ويل لمن يسير تجاهه .. ويصدم به ..
الحياة لم يعد مقياسها مقدار نفعك للناس ، فحتى لو كنت طبيبا مداويا للجراح .. فمقياس تقدمك بالحياة ليس مقدار ما تقدمه للآخرين ، فإذا سألك شخص ماذا حققت بعد عشرين سنة في المستشفيات ، فأنت لن تقدر أن تخبره ، حققت أني عالجت 4000 شخص من أمراض كانت قد تقضي عليهم .. بل ما وصلت إليه من مناصب أو ما تملكه من منشآت و أملاك .. أي مقدار نفعك لنفسك ذاتها لا غيرها .. و هذا المقياس يعبر عنه بمؤشر .. هو الدرهم .. و في هذا المقياس صراحة .. رسبت أنا أيما رسوب .
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال __ و من ما عنده المال فعنه الناس قد مالوا
رأيت الناس منفضة ، إلى من عنده فضة __ و من ما عنده فضة ، فعنه الناس منفضة
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب __ و من ما عنده ذهب ، فعنه الناس قد ذهبوا
النساج