لئن كانت العشرة الاخيرة من شهر رمضان ، محطة تركيز على العلاقة الخاصة مع رب العالمين ، من الزاوية الفردية للعبادة .. فان العشرة الاولى من شهر محرم الحرام ، تمثل محطة تركيزايضا على تلك العلاقة من الزاوية الاجتماعية للعبادة ، تاسيا بسيد الشهداء (ع) الذي مارس أرقى صور العبودية لرب العالمين ، من خلال استنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة ، مجسدا بذلك شعار احياء الخلق ، لانهم عباد الله .. واحب الخلق الى الله انفعهم لعياله .
2 ان حق الحسين (ع) عظيم على الامة جمعاء ، لانه احدث بشهادته هزة عنيفة ايقظت الامه من سباتها .. واي سبات اعظم من ان يستبدل خير الخلق الى الله تعالى في زمانه ، بشارب الخمور ومستحل الحرمات زاعما امرة المؤمنين !!.. و إن ما آل اليه امر الامة ، كانت نتيجة طبيعية لمخالفة المنهج الرباني الذي رسمه الله تعالى للامة يوم الغدير .
3 ان من اعظم وظائف المحبين في هذه الايام ، هو تجسيد الحب - لا من خلال مظاهر العزاء فحسب - بل من خلال الترجمة العملية لهذا الحب .. اذ الحب ليس الا التجانس بين المحب والمحبوب ، وهذا التجانس لا يتم بالدعوى المجردة ، بل بمحاولة التقريب بين الذات المحبة والذات المحبوبة في الصفات والملكات .. وان اعظم قربان يقرب الى الله تعالى في هذه الايام ، هو نفي إنية النفس الأمارة : اجتثاثا لملكة خبيثة ، اواقلاعا عن منكر نعكف عليه .
4 ان البكاء على سيد الشهداء (ع) يعتبر مشاطرة لجميع الانبياء والاوصياء في تاثرهم بمصيبة الحسين (ع) .. إذ لم يتحقق على وجه الارض منذ ان خلق آدم ، كارثة جامعة لكل صور المصيبة في : النفس والعيال حتى في الطفل الرضيع كمصيبة الحسين (ع) .. ومن المعلوم ان هذه الظلامة قائمة ، لم يتحقق القصاص منها قبل خروج القائم (ع) ، فإن مرور الليالي والايام ، لا يخفف ثقل هذا الرزء الجلل الذى اقشعرت له اظلة العرش قبل اركان الارض .. ولا ننسى ان صاحب دعاء عرفة بعرفانه البليغ لرب العالمين ، هو الذي وطاته الخيل بحوافرها ، وترك على رمضاء نينوى بلا غسل ولا كفن !!.. رزقنا الله تعالى طلب ثاره مع قيام قائمهم المهدي (ع) .