أخوتي
إن الغضب شعلة من النار، وان الإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال : {خلقتني من نار وخلقته من طين} فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظّي والإشتعال، والحركة والإضطراب.
ومن نتائج الغضب: الحقد والحسد، ومما يدلّ على ذم الغضب قول النبي للرجل الذي قال له : أوصني. قال: {لاتغضب}، فردد عليه مراراً، قال {لاتغضب}.
وكان يقال: اتقوا الغضب، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصَبِرْ العسل، والغضب عدو العقل.
وحقيقة الغضب: غليان دم القلب لطلب الإنتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب، ثوراناً يغلي به دم القلب، وينتشر في العروق، ويرتفع إلى اعالي البدن. كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة، وكل ذلك يحكي لون ماوراءه من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون مافيها، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه.
فإن كان الغضب صدر ممن فوقه، وكان معه يأس من الإنتقام. تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، فصار حزناً، ولذلك يصفر اللون، وإن كان الغضب على نظير يشك فيه، تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمر ويصفر ويضطرب، فالإنتقام هو قوت لقوة الغضب.
والناس في قوة الغضب على درجات ثلاث: إفراط، وتفريط، واعتدال.
فلايحمد الإفراط فيها،لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولافكر ولا إختيار.
والتفريط في هذه القوة ايضاً مذموم،لأنه يبقى لا حمية له ولا غيرة، ومن فقد الغضب بالكلّية، عجز عن رياضة نفسه، إذ الرياضة إنما تتم بتسليط الغضب على الشهوة، فيغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة، ففقد الغضب مذموم، فينبغي ان يطلب الوسط بين الطريقين.
ومن آثار الغضب في الظاهر ، تغيّر اللون، وشدّة الرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب، واستحالة الخلقة وتعاطي فعل المجانين، ولو رأى الغضبان صورته في حال غضبه وقبحها، لأنِف نفسه من تلك الحال، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم.
{منهاج القاصدين}
ويزاكم الله كل الخير...
ولاتنسوا.....
------------------
رب أخ لك لم تلده أمك